
أرمن سورية – حلب
الأرمن / Armenians / “Hayer” (وفق اللفظ الأرمني)
تعود نشأة الأرمن إلى سلالة النبي نوح وتشكّل المجموعات البشرية الجديدة بعد الطوفان الذي أتى بسيفنته إلى قمة جبل #آرارات. وتعود أصول الأرمن إلى الشعوب الهندأوروبية وهم أصيلون في بلاد آرارات. ويذكر المؤرخ موسيس الخوريني انّ الأرمن من نسل طوغرومة الذي ينحدر من سلالة نوح (الجيل الرابع)، ابن حفيد يافت بن #نوح، وكان الأرمن يسمون لهذا لمدة طويلة باسم طوغروميين. أمّا عن تسميتهم الحالية نستشف من تصور الخوريني فتعود تسمية الأرمن بـ”Hayer” إلى هاييك بن طوغرومة وسميت أرمينيا على أساسها “Hayastan”. وبحسب رأي العلماء يعود تاريخ تشكل الأرمن إلى من 3000 إلى 2000 قبل الميلاد.
خضعت أرمينيا عبر التاريخ إلى العديد من الأنظمة الحاكمة منها القبلية والعائلية أو إلى حكم الأفراد المعينين من قبل القوى الأجنبية التي سيطرت على البلاد وصولاً إلى الوقت الحالي إذ تخضع البلاد إلى حكم برلماني. ومنذ نشأتها كان الاعتقاد السائد في أرمينيا الوثنية. وبنوا الأرمن على أساس معتقدهم الوثني طقوس وأساطير وآلهة ارتبطت بالطبيعة وخيراتها. واستمرت أرمينيا في وثنيتها حتى تاريخ 301 بعد الميلاد حين أُعلنت المسيحية الديانة الرسمية للدولة على يد القديس كريكور (غريغوريوس) المنوّر الذي قضى على الوثنية ومحا آثارها المادية والرمزية.
ورغم أن الأرمن من أقدم الشعوب الأرض وأغناهم #ثقافة إلّا أنّهم لم يكن لديهم أبجدية خاصة وعملوا على كتابة لغتهم بالأحرف السريانية والآشورية واليونانية إلى أن قام الراهب ميسروب ماشدوتس بإيجاد الأبجدية بين عامي (404-406 بعد الميلاد). ويعتقد الأرمن إيجاد الأبجدية حدث إلهي فضلاً للإلهام الإلهي الذي ساعد ماشدوتش لإيجادها.
لطالما أصبحت المسيحية ديناً للدولة الأرمنية فإنّ معظم الأرمن هم من المسيحيين وبالأخص المعتقد الأرثوذكسي (الرسولي). لقد لعبت الأحداث عبر التاريخ دوراً في اندثار الهوية الدينية للأرمن فمنهم من اعتنق الإسلام وآخرين تأثروا بمذاهب أخرى ضمن الجغرافيا الواحدة، إلّا أنّ مازال الكثير من الأرمن وحتى وقتنا الحاضر يعودون إلى أصولهم القومية مع الحفاظ على ديانتهم الحالية أي الإسلام (وبالأخص في #تركيا). وتنقسم الكنيسة الأرمنية إلى ثلاثة مذاهب أساسية: الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية. كما أنّ في أرمينيا هناك حضور للمذاهب الكردية والأزيدية كأقليات يتمتعون بالجنسية الأرمنية.
من جهة أخرى، مثلت #سورية تلك البيئة الآمنة التي دعت الأرمن يثمرون فيها واستطاعت توظيف مهاراتهم وإمكاناتهم وخبراتهم في سبيل ازدهار وتقدم البلاد. ومن أبرز تلك الشخصيات: اللواء آرام قره مانوكيان – من الضباط الأوائل المؤسسين للجيش العربي السوري، هنري هندية وزير مالية في الحكومة السورية (1936م)، ثابت عريس وزير الدولة في الحكومة السورية (1943م). وكان للأرمن حضور قوي أيضاً في مجال الطب حيث أسسوا أحسن المشافي وأبرزها مشفى ألطونيان لمؤسسه الدكتور أصادور ألطونيان (تأسس عام 1912م بحلب).
ومشفى جبه جيان للعيون في #حلب لمؤسسه الدكتور روبيرت جبه جيان (تأسس عام 1952م). واشتهر جبه جيان لكونه عام 1934 أحضر إلى حلب أول جهاز كهربائي لتنظير قعر العين المباشر، ولدى عودته من #فرنسا عام 1938 جلب معه مصباحاً شقياً كان الأول من نوعه في سورية. وأنشأ أول مدرسة نموذجية باسم «أبو العلاء المعري» للعميان بحلب عام 1955، درست فيها طريقة برايل لأول مرة في سورية.
أما في مجال الإعلام والتلفزيون يعد المذيع الأرمني الدمشقي مهران يوسف (خضرليان) أشهر الوجوه الأرمنية على الشاشة السورية والذي عمل مقدماً لخطابات الرئيس حافظ #الأسد أيضاً. والمذيعة منى كردي فهي من مواليد حلب تحمل إجازة في اللغة الفرنسية عملت مذيعة أخبار في التلفزيون العربي السوري، واشتهرت في تقديمها للبرامج الغنائية الغربية المنوعة.
المذيعة ييرادو كريكوريان من مواليد حلب تحمل إجازة في الآداب قسم اللغة الإنكليزية، وبعد التخرج عملت فترة وجيزة في التدريس، ومن ثم بدأت العمل في التلفزيون السوري القناة الثانية مقدمة برامج باللغتين العربية والإنكليزية، قدمت العديد من البرامج الرياضية والغنائية. وهي من أوائل المعدين الذين حضروا الأفلام والبرامج عن العلاقات العربية الأرمنية، وتعتبر ييرادو رائدة في هذا المجال، وخاصة في مجال إعداد الأفلام الوثائقية القصيرة عن الإبادة الأرمنية، حيث استطاعت بحرفيتها المعهودة تجميع المواد والصور التاريخية والوثائقية وتقديمها بشكل سلس إلى الرأي العام. Yerado Dikran Krikorian
وفي السنوات الأخيرة استطاع الناشط والخبير في السياسة كيفورك ألماسيان من حلب اختراق عالم الإعلام الحديث من خلال إعداد محتوى الكتروني باللغة الإنكليزية حول ما يجري في سورية ويعد من أكثر المؤثرين الشباب في مجال الإعلام والمحتوى السياسي. Kevork Almassian إلى جانب الإعلام المرئي، يعود الفضل للأديب والكاتب الحلبي الأرمني رزق الله حسون-يان في تأسيس أول جريدة عربية غير رسمية في العالم كله (عام 1855م في #أستانة).
أما في مجال أدب اشتهرت الكاتبة والباحثة لوسي سلاحيان بتأسيسها جسر يصل بين الأدبين الأرمني والعربي وأسست منتدى يجمع العديد من الكتاب والادباء السوريين عرباً وأرمن. وفي نفس المجال يعد الدكتور ألكسندر كشيشيان من حلب عرّاب الترجمة نظراً لمساهماته في #الترجمة من خلال ترجمة عشرات الكتب والدراسات التي غدت مراجع مهمة في التاريخ والعلاقات الأرمنية-العربية وأبرزها تاريخ سوريا وتاريخ حلب الممتدة لأربعة أجزاء.
وتعد الباحثة د. نورا أريسيان أول سيدة سورية من أصول أرمنية تشغل منصب عضو في البرلمان السوري إذ شغلته لدورتين متتاليتين إلى حين تعيينها سفيرة لسورية لدى أرمينيا ولها مشوار طويل في الأبحاث والدراسات والترجمة لاسيما في خصوص الإبادة الأرمنية وتواجد السيدات في البرلمان السوري.
أما في شق التمثيل يعد الممثل سلوم حداد من أشهر السوريين الأرمن الذين دخلوا إلى المجال الفني وحققوا نجاحاً على نطاق واسع. يعد سلوم الأشهر ولكن ليس الوحيد فاشتهر مواطنه داوود الشامي (تافيت بارسيغيان) Tavit Parseghian في المسرح والتلفزيون والممثلتين هاسميك قيومجيان وسلوى جميل (ألين قهوه جيان) Salwa Jamil في الدراما الحلبية والمسرح والإعلام في حين أثبتت الممثلة جيني إسبر حضورها أيضاً في الدراما على مدار عقدين. وعلى صعيد الموسيقا تعد الفنانة الراحلة ربى الجمال أشهر وجه أرمني في مجالها ولقبها النقاد بأم كلثوم سورية. بدوره، استطاع الموسيقار سمير كويفاتي في إثبات ذاته بمجال الحفاظ على الأغاني باللهجة السورية. كما اشتهر المغني وديع مراد (غارو مراد سافريان) بعدد من الأغاني ومو من مواليد مدينة القامشلي. Wadih Mrad
تعداد الأرمن يتعرض لتغييرات ولكن تعدادهم عالمياً حوالي أكثر من 10 مليون نسمة وثلثهم يقطنون في أرمينيا والباقي موزعين على شتى أنحاء الأرض وبشكل أساس في كل من الشرق الأوسط وأمريكا وتركيا وكندا وأوروبا عامة وروسيا. وفي حلب هناك أكبر تجمع للأرمن نظراً لقرب المدينة عن الأراضي التاريخية لأرمينيا والتطابق الاجتماعي والسلوكي للمجتمعين. كما يتواجد الأرمن بقوة في اللاذقية (مدينة وريفاً) بالإضافة إلى كل من الجزيرة السورية ودمشق وحمص ولواء اسكندرون ومؤخراً في طرطوس أيضاً.
تعد الإبادة الأرمنية التي وقعت في عام 1915م على يد الأتراك العثمانيين محطة فاصلة في تاريخ الأرمن تخللتها مأساة وتشريد وتطهير عرقي وراح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون أرمني من القاطنين في أناضول ضمن أراضيهم التاريخية. كما تعد سورية المحطة الأبرز والأهم التي قصدوها الأرمن هاربين من البطش العثماني وشيدوا فيها كنائس ومدارس وأندية وجمعيات وغيرها من المؤسسات.
يدار المجتمع الأرمني من خلال القيادات الدينية التي تتوزع على ثلاث طوائف: الأرمنية الأرثوذكسية والأرمنية الكاثوليكية والأرمنية البروتستانتية ولكل طائفة جمعياتها ومدارسها ومؤسساتها الثقافية والرياضية والاجتماعية والطبية ولكل منها قوانين الأحوال الشخصية صادقت عليها الدولة السورية في عام 2010. كما أن هناك حضور لجمعيات أرمنية مستقلة عن الهيئات الدينية وأبرزها جمعيات: الجيل الجديد والخيرية العمومية الأرمنية والشبيبة الأرمنية وتكيان (المعري) وكيليكيا وغيرها.
ورغم العديد من الظروف على مر تاريخهه الطويل مازال الأرمن يحافظون على أبرز عاداتهم وتقاليدهم ومناسباتهم لاسيما في سورية مثل. عيد ميلاد السيد المسيح ومعموديته يصادف هذا العيد السادس من كانون الثاني من كل عام وأبرز الطقوس فيه مباركة المياه وتوزيعها على الناس بالإضافة إلى الاجتماعات العائلية تبادل التهاني كما ببقية الأعياد.
عيد دخول المسيح إلى الهيكل (Diyarnentarach باللفظ الأرمني) وعيد النار: تجمع هذه المناسبة عيدين معاً أحدهما من الحقبة الوثنية وسمى ديرنديس والثاني من الحقبة المسيحية تخليداً لذكرى دخول المسيح إلى الهيكل وأبرز طقوس هذا العيد إقامة احتفالات حول النار كما يتم اقتناء مشاعل النور من الكنائس إيماناً بأن حرارة تلك المشاعل ستخفف برودة الطقس وتنشر الخير. يصادف هذا العيد منتصف شهر شباط من كل عام.
عيد فارتافار (رش المياه): وهو عيد من الحقبة الوثنية يحافظ عليه الأرمن ويصادف خلال شهر تموز من كل عام وأبرز طقوسه هو رش المياه على الناس تعبيراً عن الخير والوفرة كما جعلت الكنيسة الأرمنية يتزامن هذا العيد مع عيد تجلي المسيح.
يتكلم الأرمن في سورية والمشرق العربي وفي العديد من دول تواجدهم باللغة الأرمنية الغربية وهي مشتقة عن اللغة الأرمنية التقليدية ولكن في سورية مازال أرمن كسب يحافظون على اللهجة المحلية للبلدة ويتناقلونها من جيل لآخر. تتميز اللغة الأرمنية بشكل عام والغربية بشكل خاص بأبجديتها وألفاظها وكلماتها المركبة التي لا توجد بغير لغة بالإضافة إلى سهولة تشكيل كلمات جديدة من جذور أصلية باللغة.
يستخدم الأرمن عامة علم جمهورية أرمينيا ثلاثي الألوان ضمن معظم شعاراتهم في مختلف أنحاء الأرض في إشارة إلى جذورهم ويحوي العلم الألوان: الأحمر والأزرق والبرتقالي (المشمشي).
