تُصنّف بلاد الشام كواحدة من أقدم مواقع الحضارة البشريّة، فقد اكتشفت فيها آثار لمستوطنات بشريّة منذ العصر الحجري وقامت فيها امبراطوريّات وحضارات متعاقبة، برزت الآراميّة منذ القرن الحادي عشر ق.م واستمرّت كهويّة أساسيّة للبلاد، وكانت السريانيّة (المشتقّة من الآراميّة) لغة التخاطب تزامنًا مع انتشار المسيحيّة في بلاد الشام، وبقيت كذلك حتى استعراب غالبيتها بحلول القرن الحادي عشر الميلادي. في المرحلة الأنتيكية، كانت البلاد جزءًا من الإمبراطورية السلوقية ثم الإمبراطورية الرومانية فالبيزنطية؛ وخلال القرون الوسطى كانت البلاد حاضرة الدولة الأموية، وقامت فيها خلال مرحلة الدولة العباسية عدد من الإمارات والدول المؤثرة، ومن ثمّ السلطنة العثمانية واستمرت حتى الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من هذا إلا أنّ سورية كدولة لم يتم الحديث عنها إلا بعد استقلالها عن السلطنة العثمانيّة.
سورية اليوم هي جمهورية مركزية اسمها الرسمي الجمهورية العربية السورية منذ 1961، تتألف من 14 محافظة عاصمتها دمشق تقع ضمن منطقة الشرق الأوسط في غرب آسيا؛ يحدها شمالاً تركيا، وشرقًا العراق، وجنوبًا الأردن، وغربًا فلسطين، ولبنان، والبحر الأبيض المتوسط، بمساحة 185180 كم مربع، وتضاريس وغطاء نباتي وحيواني متنوّع، ومناخ متراوح بين متوسطي، وشبه جاف.
أعلن استقلال سوريا في 8 مارس 1920 من قبل المؤتمر السوري العام، إلا أن فرنسا رفضت الاعتراف بالمؤتمر، وأصدرت في سبتمبر 1920 مراسيم التقسيم، لاحقًا وبشكل تدريجي حتى 1936 أعيد اتحاد خمس كيانات ضمن الجمهورية السورية، التي نالت استقلالها التام عام 1946، الشعب السوري، من الشعوب النامية، والمتنوع عرقيًا ولغويًا ودينيًا، تنشط الهجرة من سورية منذ القرن التاسع عشر وهناك جاليات ضخمة من السوريين في الخارج. تعتبر سوريا من الدول النامية، في الأساس يعتمد الاقتصاد على الزراعة، والسياحة، والخدمات، مع ثروات باطنية، بعضها غير مستثمر بعد.
التسمية
على الرغم من أنه لا يوجد نص تشريعي أو دستوري يُحدد طريقة رسم حرف النهاية في اسم الدولة إلا أنّ المؤسسات الرسميّة وفي نصّ الدستور درجت على استخدام “سورية” وكان مجمع اللغة العربية بدمشق في كتابه رقم 413 بتاريخ 01-12-1961 أفتى بكتابتها: سورية.
الكتابة الرسمية العُروبية هي سُورِيَة، وتُكتب أيضًا سُورِيَا حسب قاعدة رسم الأسماء الأعجمية، وكذلك الأسماء الفوق الثلاثية المسبوقة بياء بألف طويلة. دُعيت البلاد باسم سوريا خلال العهد السلوقي في القرن الثالث قبل الميلاد، وفي الأدب الإغريقي فإن هيرودت وهوميروس سميّا البلاد سوريا.
التفسيرات المقدمة لمعنى الاسم متعددة أبرزها: أنها سميت نسبة إلى الإمبراطورية الآشورية التي أسست حضارة وثقافة واسعة في الهلال الخصيب، مع إبدال حرف الشين بالسين، وهو أمر مألوف في اللغات السامية. كان ثيودور نولدكه أول من اقترح وجود علاقة بين الاسمين. وتلقى هذه الفرضية انتشاراً واسعاً بين الباحثين، خصوصًا إثر اكتشاف نقوش مكتوبة باللغتين اللوية والفينيقية في قيليقية حيث تشير الفينيقية إلى لفظة آشور بينما تذكر اللوية سوريا في نفس المقطع. أنها سميت نسبة إلى صور الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وقد عرفها الإغريق بهذا الاسم نتيجة العلاقات التجارية المزدهرة بين الطرفين.
أما ما سمّى به العرب البلاد فهو الشام، ولا يزال هذا المصطلح يستخدم للإشارة إلى بلاد الشام كما يستخدم في اللهجات المحكية في سوريا للإشارة إلى مدينة دمشق، وقد تعددت النظريات حول أصل تسمية شام أيضًا أبرزها: أن الشام منسوبة إلى سام بن نوح، كما نسبت لغة البلاد القديمة وهي الآرامية إلى ابنه آرام. أيضاً يُقال الشام في العربية تعني اليسار وبالتالي وانطلاقًا من الموقع الجغرافي للحجاز سميت اليمن نسبة إلى اليمين والشام نسبة إلى اليسار والمعروف أيضًا بالشمال.
التاريخ
الآثار البشرية في المنطقة التي تشكل اليوم سوريا تعود لحوالي 750,000 عام ق.م، والإنسان العاقل منذ حوالي 150,000 عام. الاستقرار في الأرض، والعمل في الزراعة يعود لنحو 12,000 عام قبل الميلاد، وتأسيس مستوطنات بشرية عديدة – 700 مستوطنة من العصر الحجري، بعضها لا يزال مستمر حتى اليوم، كمناطق مأهولة مثل دمشق وحلب – يجعل البلاد جنبًا إلى جنب مع العراق أبرز مناطق مهد الحضارة البشرية.
التعقيد الحضاري انعكس منذ الألف الثالث قبل الميلاد، بقيام ممالك مزدهرة، مثل يمحاض، ومملكة ماري على نهر الفرات، والتي امتدت حتى حلب، وكلاهما ضمن الحضارة الأمورية، ومملكة إيبلا ومملكة أوغاريت، إلى جانب ممالك أقل أهمية مثل مملكة كانا.
في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، ظهرت الإمبراطوريات الكبرى في الهلال الخصيب على أساس اللامركزية الإدارية، بدءًا من سرجون الأكادي، وبرزت في سوريا الحضارة الكنعانية بعد سقوط الإمبراطورية الأكادية في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، ثم ظهرت في القرن الثامن عشر ثاني موحدي الهلال حمورابي ضمن الإمبراطورية البابلية التي انهارت في القرن السادس عشر.
تعرف القرون اللاحقة وحتى القرن الحادي عشر «بالقرون المظلمة»، وتوالى فيها على حكم سوريا إمبراطورية هندوأوروبية منها كاشية، وحثية، أو حتى مصرية قديمة. ومع اضمحلال هذه الإمبراطوريات، برزت الحضارة الآرامية من القرن الحادي عشر قبل الميلاد بشكل المدن – الدول مثل مملكة بخياني، وآرام دمشق وغيرهما.
وفي القرن التاسع قبل الميلاد، ظهر ثالث موحدي الهلال الخصيب شلمنصر الثالث في الإمبراطورية الآشورية، وتمكن خليفته نبوخذنصر من المحافظة على وحدة البلاد ضمن الإمبراطورية الكلدان حتى 531 قبل الميلاد حين غدت سوريا وحتى الفتح السلوقي مزربانية فارسية.
في جميع تلك المرحل، تطورت أنواع مختلفة من الآداب، والقيم الاجتماعية، والفنون، والتجارة مع آسيا الصغرى، وأرمينيا، ومصر، وفارس، وبحريًا عبر المتوسط؛ والعمارة والعلوم خصوصًا الهندسة والفلك.
الحضارة الآرامية بوجه خاص، استمرت ما بعد سقوط الممالك الدول الآرامية، بشكل الهوية الحضارية واللغة الخاصة بسوريا مع تمايز فينيقي في الساحل.
سوريا الأنتيكية
فتح الإسكندر المقدوني الهلال الخصيب عام 333 قبل الميلاد، وتفككت إمبراطوريته بعد وفاته، فكان الهلال الخصيب من نصيب سلوقس الأول الذي سمّى نفسه «ملك سوريا»، وعلى نهجه سار خلفاؤه؛ متخذين من أنطاكية التي بناها سلوقس مركزًا لحكمهم، وقد ظلّت أنطاكية عاصمة البلاد حتى نقلها إلى دمشق زمن الفتح. ترك السلوقيون، آثارًا عمرانيّة بارزة، وشيدوا 34 مدينة، واعتنوا بالتجارة، كما انتشرت الثقافة الهيلينية في البلاد، لاسيّما في المدن والمراكز التجاريّة.
في القرن الأول قبل الميلاد، ضعف السلوقيون وتفككت أوصال دولتهم، وتمكّن ديكران ملك أرمينيا من احتلال أجزاء من البلاد عام 69 قبل الميلاد، وبعدها بفترة وجيزة، فتح الرومان سوريا عام 64 قبل الميلاد تحت قيادة قيادة بومبيوس الكبير، ودعيت المنطقة «ولاية سوريا الرومانية»، والتي قسّمت في وقت لاحق إلى ولايات أصغر حجمًا منها الولاية العربية ومركزها بصرى وسوريا السعيدة ومركزها أفاميا. تفاعل السوريون مع الفتح الروماني، واستطاعت العائلة السيفيرية المنحدرة من مدينة حمص أن تخرج خمسة أباطرة لروما خلال سيطرتها على العرش بين عامي 192 و236 وإلى جانب فيليب العربي بين 244 و249. ويذكر في هذا الإطار أيضًا مملكة حمص والإمبراطورية التدمرية التي تمتعت بحكم ذاتي ثم ثارت على روما وحازت نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا واسعًا خلال عهد الملك أذينة ثم زوجته زنوبيا قبل أن يدمرها الرومان عام 272.
ترافقت هذه الأحداث التاريخية مع انتشار المسيحية في البلاد منذ قرنها الأول، كما تدلّ التنقيبات والحفريات الأثريّة، والتي تركت آثارًا على اللغة والأدب والفلسفة، وقد أقرّ مجمع نيقية اعتبار أسقف أنطاكية من متقدمي العالم المسيحي. برزت سوريا خلال القرنين الرابع والخامس كمعبر تجاري هام قوامه طريق الحرير الذي كان يبدأ في الصين وينتهي قرب أنطاكية، وتطورت اللغة الآرامية واشتقت منها اللغة السريانية التي باتت لغة سوريا اليومية، وبزغت العلوم والآداب متمثلة بالمدراس والجامعات وأبرزها في الرها ونصيبين وحران وغيرهم، وشابت القرن السادس اضطهادات طائفية، وانهيار الوضع الاقتصادي بنتيجة زيادة الضرائب واندلاع الحروب بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية، التي تمكّن الفرس على إثرها من دخول البلاد فاستطاع كسرى الأول عام 540 أن يحرق حلب وينهب أنطاكية وأفاميا وأعاد كسرى الثاني الكرة عام 613 فدمر دمشق وقتل معظم سكانها، ثم استرد هرقل سوريا بهجوم مضاد على الفرس عام 628.
الأمويون والعباسيون
حلّ المسلمون أغلب المدن السورية سلمًا عام 636 أيام خلافة عمر بن الخطاب وتحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح. بعد فترة وجيزة صارت سوريا إحدى معاقل الحرب الأهلية الأولى في الإسلام، والتي انتهت عام 661 بتأسيس الدولة الأموية وانتقال عاصمة الخلافة إلى دمشق. استمرّ الأمويون بحكم سوريا 132 عامًا، ازدهرت خلالها البلاد وانتعش اقتصادها وحركتها الفكرية كما تدلل كتابات المؤرخين والآثار المعمارية الباقية. أما الثورة العباسية عام 749 كانت وبالاً على البلاد لاسيّما دمشق بوصفها عاصمة الدولة السابقة، وفي المقابل برز اهتمام الخلفاء العباسيين خلال أوج قوة الدولة بوادي الفرات والمنطقة الشرقية على وجه الخصوص، كما استقرّ بها عدد من الخلفاء والقوّاد والأمراء طلبًا للراحة و«حسن المنظر».
توالى على سوريا خلال ضعف الدولة العباسية العديد من السلالات الحاكمة التي أسست دولاً شبه مستقلة في كنف الدولة العباسية، ازدهرت البلاد في عهد بعضها كالحمدانيين، ولعلّ أهمها على الإطلاق كانت الدولة السلجوقية التي تمكنت من إعادة البلاد إلى طاعة الخليفة العباسي بعد أن دخلت في طاعة الخلافة الفاطمية ردحًا من الزمن. مع ضعف السلاجقة، تفككت الدولة إلى إمارات مستقلة، في مختلف المدن والمناطق التي سرعان ما تطاحنت في حروب أهلية، مع إهمال الاقتصاد وتكاثر الكوارث الطبيعية، ذلك لم يمنع البلاد من كونها موئلاً للشعراء، والفلاسفة، والفقهاء، والرحالة، والهجرات.
أواخر القرن الحادي عشر تمكنت الحملة الصليبية الأولى من تأسيس ممالك لها في الساحل السوري، وقامت الحملة الصليبية الثانية بحصار دمشق، إلا أنها فشلت في دخولها. وتمكن بعد ذلك، الزنكيون من توحيد شمال البلاد، ثم استطاع صلاح الدين الأيوبي الذي ورثهم، من توحيد مصر والشام في سلطنة واحدة واستعادة القدس، إلا أن معاركه مع إمارتي أنطاكية وطرابلس اقتصرت على الكر والفر، ليترك للمماليك الذين خلفوا الأيوبيين استكمال السيطرة على الشام بطرد الصليبيين من أنطاكية عام 1268 وطرابلس عام 1285؛ غير أن دمشق وحلب في الفترة ذاتها قد أحرقتا ودمرتها بنتيجة الغزوات المغولية بقيادة هولاكو، الذين تمكّن المماليك من طردهم بعد معركة عين جالوت، وتلاها بقرن دمارهما مع مدن أخرى لمرة ثانية نتيجة غزوات تيمورلنك عامي 1400-1401، وعمومًا فإن العهد المملوكي تمثل بالإهمال، وانتشار المجاعات والأوبئة، وانهيار الاقتصاد، وكثرة الانقلابات العسكرية، وثورات نواب المماليك في المدن السورية، وانتشار الأمية، حتى انخفض عدد السكان إلى الثلث أيام حكمهم الذي دام نحوًا من ثلاثة قرون؛ يستثنى من ذلك مدينة دمشق، التي أحاطها المماليك بعناية خاصة.
سوريا العثمانيّة
امتدت فترة الحكم العثماني على سوريا أربعة قرون منذ أن سحق السلطان سليم الأول جيش المماليك في معركة مرج دابق شمال حلب يوم 24 أغسطس 1516، ومنها ملك مدن البلاد سلمًا وعلى رأسها دمشق في 26 سبتمبر 1516، وحتى انسحاب العثمانيين منها في أعقاب الثورة العربية الكبرى والحرب العالمية الأولى في أكتوبر 1918. في بداية عهدهم، أبقى العثمانيون بلاد الشام ضمن تقسيم إداري واحد، وحتى مع تتالي تعقيد التقسيم الإداري ظلّت الإيالات والولايات تشمل مناطق جغرافيّة هي اليوم بمعظمها تتبع مختلف دول بلاد الشام، أي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، إضافة إلى قسم ضمته تركيا على دفعتين، وقد دعيت الولايات الثلاث والمتصرفيات الثلاث في القرن التاسع عشر «الولايات العثمانية السورية».
عرفت دمشق وحلب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ازدهارًا اقتصاديًا وسكانيًا، وساهم في ذلك كون قوافل الحج تجتمع في دمشق لتنطلق إلى الحجاز، وأغلب قوافل التجارة البرية نحو الخليج وفارس والعراق تمر من حلب؛ استمر الوضع الاقتصادي خلال عهد ولاة آل العظم في القرن الثامن عشر جيدًا، لكن عهد الفوضى والحروب بين الولاة ساد في ذلك الحين، فضلاً عن النزعات الاستقلالية أمثال ظاهر العمر وأحمد باشا الجزار وفخر الدين المعني الثاني؛ ولقرون عديدة لاسيّما في الريف فإن إرهاق الشعب بالضرائب، وهجمات البدو، وانعدام الأمن، وجور أغلب الإقطاع المحليّ، وانتشار الأمية كان أبرز سمات العهد العثماني.
في عام 1831 دخلت البلاد في حكم محمد علي باشا، وكان حكمه فيها حكمًا إصلاحيًا من نواحي الإدارة والاقتصاد والتعليم، إلا أن سياسة التجنيد الإجباري التي انتهجها أدت إلى تململ السوريين من حكمه، وقيام ثورات شعبية متتالية ضده بين عامي 1833 و1837، وقد استطاع السلطان عبد المجيد الأول بدعم عسكري من روسيا القيصرية وبريطانيا والنمسا استعادة سوريا عام 1840.
خلال المرحلة الأخيرة من الحكم العثماني منذ 1840 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ازدهرت البلاد ونمت طاقاتها الاقتصادية بسرعة وعرفت ازدهارًا ثقافيًا وسياسيًا في المدن الكبرى وبعض المدن المتوسطة مثل حمص، مشكلة بذلك أحد أجنحة النهضة العربية، وكان تأسيس المطابع، ودور النشر، والمجلات، والصحف، والمدراس الوطنية والأجنبية، والجامعات، والجمعيات الوطنية السياسية والعلمية أحد أبرز وجوهها؛ بكل الأحوال، فقد انحصرت مرحلة النهضة بالمدن الكبرى أو المتوسطة ولم تصل إلى الريف الذي ظلّ بأغلبه مهملاً ومسيطرًا عليه من قبل الإقطاع. ورغم زوال الحكم العثماني، لا تزال آثاره المعمارية قائمة في المدن الكبرى خاصة ممثلة بالقصور والحمامات والمساجد والخانات والأسواق، كما أن عددًا من العادات والمفردات اللغوية والمأكولات التركية أصبحت جزءًا من تراث وثقافة الشعب السوري.
المملكة السورية بين 1918-1920
انسحبت القوات التركية وحلفائها الألمان من سورية بعد الحرب العالمية الأولى 1918، ودخلت الجيوش البريطانية الأراضي السورية بالتزامن مع دخول قوات الثورة العربية، دخل الأمير فيصل دمشق في استقبال جماهيري كبير، في نفس الوقت الذي كانت فيه القوات الفرنسية تستلم المواقع من الجيش البريطاني في الساحل السوري، تنفيذًا لاتفاقية سايكس بيكو. شُكّلت أول حكومة عربية وبقيت لوقت قصير، اقترح الانكليز نظام الانتداب في مؤتمر الصلح 1919 مع اعتراضات عربية، ورغم أنه تمت الموافقة على مقترح الولايات المتحدة ارسال لجنة لاستفتاء آراء السوريين في الانتداب فقد بقيت نتائجها حبرًا على ورق.
عاد الأمير فيصل إلى سورية ليحقق الاستقلال، وهنا أقيم المؤتمر السوري 1919 لإعلان الاستقلال واحراج الحلفاء، وبسبب عدم مساعدة الوقت لإعداد لوائح اقتراع جديدة، عُهد إلى بقايا الناخبين في الانتخاب العثماني الأخير، فانتخبوا أعضاء هذا المؤتمر وفق الأسس التي كان ينتخب بها مجلس المبعوثان العثماني. أعلن المؤتمر وحدة سورية الطبيعية واستقلالها ورفض الانتداب، كما رفض إقامة دولة يهودية في فلسطين، وقال في بيانه “أما إذا كانت المساعدة الخارجية ضرورية فقبول مساعدة فنية ومن الولايات المتحدة فقط”.
وضع هذا المؤتمر القانون الأساسي – وهو الدستور السوري الأول المؤلف من 147 مادّة، وأقرّ أنّ سورية ملكية نيابية مدنية عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام. كما أطلق لقب سوري على كل فرد من أهل المملكة السورية العربية. وضمّ القانون الأساسي موادًا أخرى حول المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات وصون الحريات الشخصيّة واقرار وجود مجلسين للشيوخ والنواب ومجالس للمقاطعات.
الانتداب الفرنسي 1920- 1946
تجاهلت فرنسا كل ما صدر عن المؤتمر والقانون الأساسي ودخلت بقواتها بقيادة الجنرال غورو إلى دمشق، بعد مواجهة عسكرية محدودة مع وزير الحربية يوسف العظمة وبعض الجنود المسرحين الذي فضّلوا أن يخوضوا معركة خاسرة على أن يُقال أن فرنسا دخلت سورية بدون أي مقاومة. بدأت مرحلة الانتداب الفرنسي، بصدور مراسيم التقسيم لأراضي المملكة لعشرة كيانات مستقلة، وذلك حتى قبل أن تعهد عصبة الأمم لفرنسا بالانتداب على سورية، قُسمت سورية إلى خمس دول وهي دولة دمشق ودولة حلب ودولة اللاذقية وسنجق الاسكندرونة ودولة جبل العرب، كما تم إعلان دولة لبنان الكبير . اتحدت خمس دول لتشكيل سورية الحالية، أولًا عن طريق الاتحاد السوري عام 1922 الذي أعلنته فرنسا للتخفيف من حدة الانتقاد لسياستها، ثم استبدل عام 1925 بالدولة السورية، وهو العام نفسه الذي شهد اندلاع الثورة السورية الكبرى.
استمرّت الاضطرابات والتغييرات الاجتماعية والسياسية والقانونية حتى مشروع دستور الجمعية التأسيسيّة المنتخبة في 1928 والذي ماطلت فرنسا بإصداره لوجود مواد استقلاليّة وسياديّة فيه، ثم أعادت فرنسا اصداره في 1930 بإضافة المادة 116 التي تعطّل المواد السياديّة في هذا الدستور.
جاء الدستور متوازنًا في الفصل بين السلطات، واعتبر سورية “جمهورية نيابية عاصمتها دمشق ودين رئيسها الإسلام”، وأن “البلاد السوريّة المنفصلة عن الدولة العثمانية هي وحدة سياسيّة لا تتجزأ، ولا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها بعد الحرب العالمية. النظام كما حدده الدستور آنذاك ينتخب بموجبه رئيس الجمهورية في مجلس النواب غير أنه ليس مسؤولًا أمامه، وله صلاحية تعيين رئيس الحكومة التي يختار أعضائها رئيس الحكومة بالتعاون مع الكتل البرلمانية ويعود للرئيس حق إصدار تشكيلتها وتكون مسؤولة أمام مجلس النواب. كما جاء في الدستور أنه يقرر في قانون الانتخاب التصويت السري وتمثيل الأقليات الطائفية.
السنوات اللاحقة من النضال ضد الانتداب شملت الكثير من التفاعلات ومنها الإضراب الستيني، ومعاهدة 1936، ووصول الكتلة الوطنية للحكم، واحتجاجات 1939 بعد سلخ لواء إسكندرون، واحتجاجات 1941 ضد الأزمة الاقتصادية أثناء الحرب العالمية الثانية حيث تمكن الحلفاء فيها من السيطرة على سورية بعد معركة دمشق1941، وكانت قبلًا تابعة لحكومة فيشي؛ وقد أعلن الحلفاء استقلال سورية، ونظمت انتخابات 1943 التي انتخبت شكري القوتلي رئيسًا. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اندلعت انتفاضة الاستقلال، التي أفضت لنيل البلاد استقلالها الكامل وجلاء الفرنسيين عنها في السابع من نيسان عام 1946.
الجلاء حتى قيام الوحدة 1946-1958
تميزت السياسية السورية في السنوات الأولى التي تلت الاستقلال بالاضطراب. في عام 1948 انخرطت سورية في الحرب العربية الإسرائيلية. في تموز 1949 كانت سورية آخر بلد عربي يوقّع معاهدة الهدنة مع إسرائيل، وكان قد تم في آذار 1949 الإطاحة بالحكومة الوطنية بانقلاب قائد الجيش حسني الزعيم، وبهذا انتهى الحكم الديمقراطي بانقلاب البعض تحدّث أنّه كان برعاية وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لكن عدّة باحثين فنّدو هذا الزعم مثل أسعد الكوراني وهاشم عثمان. لاحقًا لذلك العام، أُطيح بالزعيم من قِبل زميله سامي الحناوي، وطلب من هاشم الأتاسي تشكيل حكومة مؤقتة تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة لجمعية تأسيسية تقوم بوضع دستور جديد لسورية. صدر قانون جديد للانتخاب ودُعيت الهيئات الناخبة يوم 5 نوفمبر 1950، كما شاركت في هذه الانتخابات المرأة السوريّة المتعلّمة لأول مرّة، وجاءت نتائج الانتخابات بتصدر حزب الشعب نتائجها.
شكلت الجمعية التأسيسيّة لجنة صياغة الدستور وتمثلت بها مختلف القوى السياسية والغير سياسية في سورية، أولى العقبات التي جابهت الجمعية، الرغبة في الوحدة مع العراق من قبل رئيس الدولة وحزب الشعب وعدد من السياسيين المستقلين فضلًا عن قادة الجيش، لكن وقبل إقرار الوحدة انقلب أديب الشيشكلي مانعًا أي إجراء وحدوي مع العراق، وعلى عكس الانقلابات السابقة اكتفى بالسلطة العسكريّة ولم يتدخل بعمل السلطة السياسية. غير أن الحكومة قد استقالت وتكلفت حكومة جديدة برئاسة خالد العظم، وفي ظل هذه الظروف ولد دستور 1950. خرج الدستور بصيغته النهائية مؤلفًا من 166 مادة. أكثر المواضيع التي احتدم عليها النقاش كانت موضوع إعلان الإسلام دين الدولة أو دين رئيس الدولة وانتهى الأمر بعد طول نقاش للحفاظ على صيغة دستور 1930 بكونه دين رئيس الدولة.
أيضًا احتدم النقاش حول وضع حد أعلى للملكية الزراعية في الدولة للتخفيف من سطوة العائلات الإقطاعية وحسم الأمر لترك سقف الملكية مفتوحًا. كما احتدم النقاش أيضًا حول إدراج مادة تنصّ على وقوف الجيش على الحياد دون التدخل في الحياة السياسية السوريّة الأمر الذي لم يتم إقراره. لم يذهب دستور 1950 إلى تغييرات عميقة في بنية النظام السياسي السوري إذ حافظ على طبيعته البرلمانية وقلّص صلاحيات رئيس الجمهورية. وبالعودة إلى مقدمة الدستور نجد هذه الفقرة والتي توضّح تمامًا هويّة الدولة رغم تسميتها بالجمهورية السورية وقتها “ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام فإن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا. وإننا نعلن أن شعبنا عازم على توطيد أواصر التعاون بينه وبين شعوب العالم الإسلامي والعربي، وعلى بناء دولته الحديثة على أسس من الأخلاق القويمة التي جاء بها الإسلام والأديان السماوية الأخرى، وعلى مكافحة الإلحاد وانحلال الأخلاق”.
بعد الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي عام 1952 عطّل العمل بالدستور، ثم أصدر دستورًا جديدًا تميّز بوصفه أول دستور رئاسي للبلاد شبيه بالنظام المعمول به في الولايات المتحدة، إذ نصّ على إلغاء منصب رئيس الوزراء وكون الوزراء مسؤولين أمام رئيس الجمهورية، أما فيما يتعلق بالحقوق والحريات العامّة والتعددية السياسيّة والاقتصاديّة ودور الفقه الإسلامي في التشريع وكون البلاد جزء من الأمة العربيّة، فقد حافظ دستور الشيشكلي على نصوص دستور 1950. بعد خلع الشيشكلي في 25 فبراير 1954 أعيد العمل بدستور 1950 والبرلمان الذي كان قائمًا والرئيس هاشم الأتاسي ريثما تمّت انتخابات نيابية جديدة. لقد أدى عدم الاستقرار السياسي في السنوات التي تلت انقلاب عام 1954، بالإضافة إلى توازي السياسات السورية والمصرية، ورغبات ضبّاط الجيش إلى خلق تأييد في سورية للوحدة مع مصر واجري استفتاء سريع قامت بموجبه الجمهورية العربية المتحدة، وسريعًا أيضًا تمّ إيقاف الأنشطة العلنية لجميع الأحزاب السياسية وأغلقت صحف كثيرة.
الجمهورية العربية المتحدة والإنفصال 1958-1962
أعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة في شباط 1958 وصدر دستور وحدوي للجمهورية بيّن أنّ الدولة العربية المتحدة جمهورية ديموقراطية مستقلة ذات سيادة وشعبها جزء من الأمة العربية . لم تطل الوحدة كثيرًا لاعتبارات متعددة، وسرعان ما حدث انقلاب عسكري أدى للانفصال؛ قامت الجمهورية العربية السورية من جديد في 28- أيلول 1961 بعد الانفصال عن مصر وتم العمل بإعلان بدستوري مؤقت كان مقتصرًا على بعض الأحكام الانتقالية، ثم تمّ العمل بدستور دعي ولأول مرّة دستور “الجمهورية العربية السورية” لعام 1962 والملاحظة هنا تقديم لفظ العربية ليكون هويّة الدولة ليس فقط في المواد الدستورية كما في الدساتير السابقة بل في اسم الدولة أيضًا وبقي ساريًا العمل بهذا الدستور حتى 8 آذار 1963 وجاء فيه أنّ الجمهورية العربية السورية ديموقراطية نيابية ذات سيادة تامة.
حكم البعث 1963-1970
نفذ المجلس الوطني لقيادة الثورة وهو مجموعة من الضباط المنتمين لحزب البعث العربي الاشتراكي انقلاب عسكري عُرف بثورة الثامن من آذار، حيث تمّ حلّ السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ونُفيت غالب الطبقة السياسية إلى خارج البلاد، فضلًا عن إعلان حالة الطوارئ التي ستبقى نافذة حتى 2011. وفي الدستور المؤقت الذي تمّ العمل به في 1964 وصدر عن المجلس الوطني لقيادة الثورة جاء فيه أنّ القطر السوري جمهورية ديموقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة وهو جزء من الوطن العربي. لكن أيضًا لم يطل العمل بهذا الدستور، فقد قامت حركة 23 شباط 1966، وهي حركة داخلية بعثية أزاحت جناحًا من البعثيين أنفسهم عن السلطة وأعلنت دستورًا مؤقتًا بقي حتى 16-11-1970، ولا نلاحظ هُنا اختلافًا عن الدستور السابق في موضوع الحريات والحقوق العامة، فقد كانت أكبر التغييرات في هذه الدساتير تغييرات في النهج الاقتصادي للدولة بحيث تم تكريس الاشتراكية دستوريًا. ومما تخلل الإنقلابين (1963 و1966) خسارة الجولان السوري خلال حرب حزيران 1967 والتي نشبت بين إسرائيل وكل من مصر وسورية والأردن، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.
سورية بين 1970-2000
في نهاية 1970 حدث انقلاب جديد – الحركة التصحيحية في 16-11-1970 والتي عُرّفت بأنها قامت لتصحيح مسار الحزب والثورة، بدأ العمل بالدستور المؤقت 1971 وجاء في هذا الدستور أنّ القطر العربي السوري دولة ديموقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة وهو جزء من الوطن العربي، والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع. أما الدستور الأطول سريانًا في سورية والذي امتد ل39 سنة حتى 2012 فقد تم الاستفتاء عليه شعبيًا في 1973، وهو الدستور الذي كرّس حكم حزب البعث وقيادته في الدولة والمجتمع لعقود من خلال المادة الثامنة فيه، وجاء فيه “الجمهورية العربية السورية دولة ديموقراطية شعبية واشتراكية ذات سيادة، دين رئيس الجمهورية الإسلام، الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع “.
على الرغم من أنّ المادة التي تتحدث عن الإسلام كونه مصدر رئيسي لا تحصر المصادر الرئيسية في الإسلام، بحيث أنها لا تضع ال التعريف على كلمة مصدر لكن الدساتير لم تتضمن مصادر تشريع رئيسية أخرى وبالتالي تركت الباب مفتوحًا للقوانين والاجتهادات القانونية في ذلك. واذا عُدنا قليلًا لمحاضر مجلس النواب السوري ومناقشته لمواد هذا الدستور، وبالتحديد جلسة الأربعاء 3-1-1973 السادسة والتي ناقشت الحريات والحقوق والواجبات العامة نجد نقاشات متعددة دارت حول اضافة نفي التمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو الأصل أو اللغة ولكن كما يبدو من النقاشات فقد اتُفق على “نحن لا نعاني في بلادنا من هذه المشكلة لكي نضعها أو نثبتها”، “ليس من المناسب أن نشهر هذا في دستورنا بأننا مؤلفون من اجناس وطوائف ولغات مختلفة… ولكن التعبير الإيجابي يبقى أفضل من التعبير السلبي” وبالتالي فقد قُبلت المادة بأكثرية الأصوات دون أي تعديل . وحول “حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان” فقد دارت أيضًا نقاشات لإدخال كلمة الأديان السماوية ولكن اتُفق على عدم ادخالها لإفساح المجال أمام جميع الأديان السماوية وغير السماوية.
وفي تشرين 1973 بدأت الحرب التي شنتها كل من مصر وسورية على اسرائيل بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية في جبهتي سيناء والجولان وقد ساهمت بها بعض الدول العربية بدعم عسكري أو اقتصادي، حققت القوات السورية والمصرية سلسلة إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك واستعادت سورية مدينة القنيطرة لكن عاد الجيش الإسرائيلي واحتل أراضي تمّت استعادتها بعد زيادة دعم الولايات المتحدة. رغم اتفاق وقف إطلاق النار، فقد وسّع الجيش الإسرائيلي الأراضي التي يحتلها وتمدد وراء حدود عام 1967، وتلا ذلك حصول حرب استنزاف بين الجانبين السوري والإسرائيلي استمرت 82 يومًا، وانتهت باتفاقية فضّ الاشتباك والتي نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها في حرب تشرين ومن القنيطرة، بالإضافة لإقامة حزام أمني منزوع السلاح على طول خط الحدود الفاصل.
في عام 1975 تدخلت سوريا عسكريًا في لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية واستمرت بالتواجد حتى 2005؛ عام 1979 اندلعت أحداث الثمانينات مع الإخوان المسلمين أما القانون 49 والذي يقتضي بإعدام كل منتسب للإخوان المسلمين فقد صدر في 1980، وقد تطورت الأحداث الأمنيّة إلى مواجهات عسكرية مع جناح الطليعة المقاتلة وانتهت عام 1982 بعد أحداث أليمة في عدّة مدن سورية. وقفت سورية إلى جانب الثورة الإسلامية في ايران وتعرضت لعقوبات أميركية منذ 1979، كما دخلت سورية في أزمة اقتصادية وكساد في الأسواق بين (1985–1990) إلا أنها وقفت إلى جانب الكويت ضدّ الغزو العراقي عام 1990 وشاركت في التحالف الدولي لتحريره ما أعطى مباركة أميركية ودوليّة للوجود السوري في لبنان، وبالتزامن مع إنهيار الإتحاد السوفييتي حصلت سورية على وعود بمساعدات مالية سعودية وكويتية في المستقبل ، وقد قدّم مجلس التعاون الخليجي مساعدات لسورية ومصر بلغت 5 مليارات دولار، إلا أنّ انخراط الأردن ومنظمة التحرير ومصر سابقًا باتفاقات منفردة مع اسرائيل أدّى لتراجع الوهج الإقليمي لسورية.
شاركت سورية في مؤتمر مدريد للسلام في 1991 بهدف تحقيق مفاوضات سلام بين إسرائيل وكل من سورية، ولبنان، والأردن، والفلسطينيين. وأكد المؤتمر على مبدأ “الأرض مقابل السلام” وعلى قرارات مجلس الأمن 242 و338 و425. وكان المؤتمر برعاية الولايات المتحدة وروسيا وتم الاتفاق على إطار رسمي للتفاوض بين إسرائيل وسائر الدول العربية. بعد نحو شهرين من المؤتمر، دُشّنت في العاصمة الأميركية محادثات ثنائية بين ممثلين إسرائيليين وسوريين، لكنها بقيت عقيمة ولم تحرز أي تقدم في ظل الفجوات الكبيرة بين مواقف الجانبين، وبقيت المفاوضات في مدّ وجزر ومراوحة حتى سنة 2000 حيث توقفت إثر وصولها إلى طريق مسدود، وأشارت تقارير صحافية في حينها إلى أن النقطة التي فجرت المفاوضات تمحورت حول ترسيم الخط الحدودي فقد أصرّت سورية على تعهد بالانسحاب حتى خط الرابع من حزيران 1967.
سورية بين 2000-2010
كان العام الأول في الألفية الجديدة بداية لسلسلة من التغييرات الواسعة التي ستطال الدولة، توفي الرئيس حافظ الأسد، فيما تولّى نجله بشار الأسد الرئاسة بترتيبات سريعة وبموجب استفتاء شعبي سبقه تعديل للدستور من قبل مجلس الشعب لتخفيض سن الرئاسة، وترشيح مجلس الشعب للمرشح الرئاسي بناءًا على اقتراح القيادة القطرية في حزب البعث. حمل خطاب القسم للرئيس بشار وعود إصلاحيّة واسعة خصوصاُ اقتصادية، وشكّل مسارًا جديدًا لتعاطي الدولة في الجانب الاقتصادي لتحريره، وسيتم تكريس هذا المسار بإقرار نظام السوق الاجتماعي في المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث في 2005.
سياسيًّا كانت هناك فترة حريات محدودة، في أيلول 2000 نشرت 99 شخصيّة أدبيّة وثقافيّة سورية بيانًا دعا إلى إلغاء قانون الطوارئ وإطلاق المساجين السياسيين والعفو عن المنفيين والاعتراف بحرية التعبير عن الرأي وحريّة الصحافة وغيرها من القضايا. افتتحت عشرات المنتديات السياسيّة والثقافيّة في مختلف أنحاء سورية، وناقشت مسائل متعددة رغم حداثتها كان أبرزها المسألة الديموقراطيّة والحريات وحقوق الإنسان وتغيير الدستور. لكن هذه الفترة التي دُعيت “ربيع دمشق” لم تطُل، وسرعان ما أغلقت هذه المنتديات وزجّ بكثير من روادها في السجون بتهم متعددة. وفي كانون الثاني 2001 صدر بيان آخر وقعه ألف مثقف سوري كوثيقة تأسيسيّة ل”لجان إحياء المجتمع المدني” وذهب أبعد من البيان الأول حيث دعا صراحة إلى إنهاء حكم الحزب الواحد وإجراء انتخابات نيابيّة حرّة وغيرها من المطالب. وفي 2001 كانت حركات المعارضة قد تبلورت في أربع كتل وهي الإخوان المسلمون ومثقفو المجتمع المدني والمعارضة الكردية وتجمعات اغترابيه.
كان للأحداث الدولية والإقليمية تأثيرات كبيرة على الواقع السوري، فقد اختارت سورية أن تكون في أقصى الطرف المناوئ لغزو العراق 2003 مستخدمة خطابًا سياسيًا وإعلاميًا حادًا ضد غزو الولايات المتحدة للعراق، وكان هناك بالمقابل موقف أميركي مضاد وضع سورية مع كوريا الشمالية وإيران في سلة واحدة ودعاها إلى أن تأخذ العبر مما وصفه الناطق بلسان البيت الأبيض بـ “درس العراق”. عادت سورية للانفتاح على المتدينين المسلمين محليًّا، مورست سياسة التخفيف من حدّة علمانيّة البعث، مثلًا في تموز 2003 صدر مرسوم يسمح للعسكريين بالصلاة في المعسكرات والمراكز العسكرية، كما سُمح للطالبات بارتداء الحجاب في المدارس وغيرها من الممارسات.
إقليميًّا دعمت سورية حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان ما وضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة خصوصاُ مع تسهيلها عبور المقاتلين وفتح الحدود لمواجهة القوات الأميركية المحتلّة للعراق. وقد أصدر الكونغرس الأمريكي قانون محاسبة سورية واستعادة السيادة اللبنانية في نهاية 2003. وكان الهدف المعلن لمشروع القانون وضع حد لدعم سورية للإرهاب، وإنهاء الوجود السوري في لبنان كما ورد حرفيًّا في القانون. ومع تغييرات في السياق اللبناني وصدور القرار 1559 في أيلول 2004 من قبل مجلس الأمن والذي طالب جميع القوات الأجنبية المتبقية بالإنسحاب من لبنان، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني في شباط 2005 وتوجيه الاتهامات لسورية باغتياله وتزايد الدعوات في لبنان لخروج الجيش السوري منها، انسحبت القوات السورية وأخلت ثكناتها بعد 29 سنة من تواجدها في لبنان، لكنها واصلت دعمها لحزب الله اللبناني وخصوصًا بعد حرب 2006 بين لبنان واسرائيل.
حققت سورية في العقد الأول من الألفيّة بعض الإصلاحات الاقتصادية بما فيها تخفيض أسعار الفائدة وافتتاح مصارف خاصة وتوحيد سعر الصرف وافتتاح بورصة دمشق في 2009، كما صدرت مراسيم لتسهيل شروط الاستثمار الخاصة. بقيت نسبة تدخل الدولة في الاقتصاد وسيطرتها على النشاط الاقتصادي مرتفعة، وقد كانت البطالة مرتفعة وعجز الخزينة متفاقم مع نمو سكاني مضطرد وضغط على الخدمات، كما لم تفلح المحاولات التنموية في تحسين الظروف الاقتصادية العامة إلا لبعض الطبقات وفي المدن دونًا عن الأرياف . وعلى الرغم من تزايد أعداد الجمعيات الخيرية والمؤسسات المجتمعيّة نتيجة تخفيف قيود متعددة إلا أنّ ذلك دلّ وبصورة واضحة على توسّع الفجوة بين الطبقات الإقتصاديّة وفشل سياسات الدعم الحكوميّة في تضييقها.
الأزمة السورية بين 2011 و2021
في آذار من عام 2011 انطلقت احتجاجات واسعة في معظم المناطق السورية هتفت بداية للحرية للإصلاح ورفع قانون الطوارئ وغيرها، كانت الاستجابة الرسمية السورية بالمواجهة وبعض الإصلاحات مثل إنهاء حالة الطوارئ وغيرها، تعاملت قوات الأمن والجيش السوري مع المظاهرات التي سرعان ما ترافقت مع أحداث عنف وشغب وتمرّد وانشقاقات عسكريّة، حاولت الحكومة امتصاص الغضب الشعبي وأصدرت بعض القوانين الإصلاحيّة التي لم يكتب لمعظمها التطبيق كقانون التظاهر والأحزاب وغيرها، لكن رقعة الاحتجاجات تزايدت مع الدعم الإقليمي والدولي لمجموعات المعارضة المحليّة والمسلحة. رفضت مجموعات المعارضة المشاركة في الاستفتاء على مشروع دستور سوري جديد كبادرة إصلاحيّة، إلا أنّ مشروع الدستور أقرّ و صدر في 27-2- 2012 حيث أحلّ الدستور الجديد التعددية السياسيّة بديلًا عن حكم حزب البعث في المادة الثامنة من الدستور السابق، كما أغفل توجه الدولة الاقتصادي وشابه الدستور القديم في تأكيده على عروبة الدولة ومبادئها.
كان للعمليات العسكرية آثار إنسانيّة واسعة ويوم بعد آخر تعقّدت الأزمة التي أجبرت الأزمة أكثر من نصف السكان على ترك منازلهم والنزوح داخل سورية أو اللجوء إلى دول أخرى. أدت الأزمة إلى احتياج حوالي 13 مليون شخص للإغاثة، فيما عاش 3.9 مليون شخص في أماكن محاصرة ومناطق يصعب الوصول إليها. شاركت عدة جهات في النزاع العسكري المباشر: الحكومة السورية مدعومة بحلفائها روسيا وإيران وحزب الله، وعلى الطرف الآخر تحالف فضفاض لجماعات المعارضة المسلحة على رأسها “الجيش السوري الحر”، وجماعات سلفية جهادية بما فيها “جبهة النصرة” وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش”، إلى جانب “قوات سورية الديمقراطية” التي تضم أغلبية كردية، مع تدخل عدد من البلدان في المنطقة وخارجها إما بالمشاركة العسكرية المباشرة، أو بتقديم الدعم بأشكاله إلى فصيل مسلح واحد أو أكثر.
حاولت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي إضعاف الحكومة السورية سياسيًّا واقتصاديًّا فبدأت بفرض العقوبات في شتّى المجالات ما أدّى إلى تعقّد الوضع الاقتصادي مع تهاوي سعر العملة الوطنية وتدمير عشرات الآلاف من المنشآت الصناعيّة وفقدان السيطرة على المنافذ الحدوديّة وتجميد الأرصدة الحكوميّة وتدمير القطاع السياحي وخروج الاستثمارات ونزوح الملايين. عقدت بين عامي 2012 و2017 ثماني مؤتمرات بشأن الأزمة السورية في مدينة جنيف السويسرية، في ظل ظروف داخلية وخارجية متباينة. وخلال المفاوضات غير المباشرة التي جمعت وفود المعارضة والحكومة تحت رعاية الأمم المتحدة، ظهرت خلافات جوهرية بين الطرفين حالت دون حسم القضايا المطروحة للتفاوض. كما بدأت جولات من المحادثات بين الحكومة السورية وبعض مجموعات المعارضين السوريين في مطلع 2017 في أستانا بكازاخستان، وذلك بدعم من الدول الضامنة الثلاث (روسيا وإيران وتركيا) لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أواخر 2016.
بحلول سنة 2020 كانت الحكومة السورية قد استعادت أجزاء واسعة من الجغرافيا السورية سيطرت عليها سابقًا جماعات مختلفة، فيما بقيت إدلب وأريافها تحت سيطرة فصائل المعارضة الإسلامية المقرّبة من تركيا، كما تسيطر قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والتي تمثّل قوات الدفاع للإدارة الذاتية الكردية على مناطق الشمال الشرقي من سورية، وتنتشر جيوب لتنظيم الدولة الإسلامية – داعش في البادية السورية. وبعد سنوات من التعقيدات وشهور من المحادثات الطويلة تمّ تشكيل اللجنة الدستورية السورية التي تألفت من 150 عضوًا، 50 عضو تدعمهم الحكومة و50 عضو من المعارضة، و50 عضو تمّت تسميتهم بقائمة الأمم المتحدة أو قائمة المجتمع المدني أو الخبراء. اجتمعت اللجنة عدّة اجتماعات بين 2019 و2020 برئاسة مشتركة حكومية ومعارضة وبرعاية الأمم المتحدة، حتى منتصف 2021 لم تفلح اللجنة الدستورية المصغّرة والمؤلفة من 45 عضوًا بتجاوز الخطابات والاتهامات بين أعضاءها قبل البدء بإنتاج نص دستوري متفق عليه.
الواقع الديموغرافي وواقع التنوع في سورية
نشأت وعبَرت كثير من الحضارات على المنطقة المعروفة اليوم باسم سورية، كل هذه الحضارات لم تكن حياديّة، فقد تركت كل حضارة بعضًا من خصائصها وصفاتها وآثارها، أيضًا ضمّت هذه البلاد قوميات وأعراق متعددة، وكانت في لحظات تاريخيّة حاضرة المنطقة برمّتها ومركزها، أديان وطوائف ومذاهب كثيرة شكّل بعضها لحظات طغيان تاريخية على باقي المكونات، وكثيرًا ما شهدت المكونات الدينية مدّ وجذب وصراع وتنافس وأحداث طائفيّة ودينية أحيانًا.
منذ سيطرة العثمانيين على الشام عانى المسيحيون (ومكونات طائفيّة إسلامية أيضًا) من ضغوط طائفية مورست تجاه طوائفهم وكنائسهم وهددت بشكل أو بآخر وجودهم في المنطقة، وعلى الرغم من فترات تميّزت بالعيش المشترك والآمن إلا أن شرارات طائفية ودينية هنا وهناك كانت تشعل المنطقة برمّتها نحو نزاعات عنيفة إلغائية، ولا أدلّ على ذلك إلا أحداث 1860 أو ما يدعى “طوشة النصارى” والتي مازال يتمّ الحديث عنها بصوت خافت في محاولة لنسيانها في المعطى العام.
من الملاحظ أن المسألة الطائفيّة شغلت أعضاء المؤتمر السوري العام فقد ورد في بيان مضبطة الأسباب الموجبة للقانون الأساسي للمملكة السورية 1920″الأقليات من أي طائفة كانوا وأينما وجدوا يجب أن تراعى حقوقهم الانتخابية وتحفظ أصواتهم و بالنظر لوجودهم في كثير من القرى والبلدات متفرقين بنوع يتعذر معه تعيين كثافة معينة لهم في مناطق محدودة، وجدت اللجنة أن تكون كل مقاطعة دائرة انتخابية واحدة بالنسبة للأقليات القاطنين فيها كي يتسنّى لهم أن يحصلوا على مجموع كافي لانتخاب نواب من بينهم بنسبة المجموع العمومي للسكان من طائفتهم مهما كانوا متفرقين في سائر المديريات والقرى الكائنة ضمن حدود مقاطعتهم، وكذلك بالنسبة لمجلس الشيوخ”.
نلاحظ أنّ هذا الدستور السوري الأول ركز بشكل واضح على موضوع المكونات والأقليات، وتضمن موادًا تفصيلية لم تتضمنها الدساتير السورية التي ستأتي من بعده بهذه الصراحة، ويمكننا فهم الرسائل من هذا الدستور على أنها رسائل طمأنة للمكونات في وقت مفصلي من تاريخ المنطقة، حيث كثيرًا ما لعبت الدول الأوروبية دورًا في التدخل بالشؤون المختلفة بحجة حماية الأقليات ودعمها، ولهذا ربما ركز هذا الدستور على أن الحقوق محفوظة ومضمونة تمامًا ولن ينتقص منها.
مع خروج العثمانيين وحلول الفرنسيين في سورية حظيت الأقليات بأدوار أكبر، ترافق ذلك مع نشوء الدولة الوطنية وبروز رجالات دولة متنوعين دينيًّا، كان لهم أثر واضح في تأسيس الدولة ونشوئها ومختلف المراحل التي مرّت بها، من الثورات مرورًا بتأسيس الأحزاب وحتى مفاوضات الاستقلال وكل ما رافق ذلك من أحداث. اعتُبر مبكرًا دين رئيس الجمهورية الاسلام تماشيًا مع الأغلبية العددية التي يشكلها المسلمون في هذه الدولة الناشئة والحديثة، مرّت فترات من العلاقات الايجابية بين مختلف المكونات، وكانت تتأرجح باستمرار وتتبدل بحسب الحالة والظرف.
يتكون الشعب السورية من عرب سنّة 63%، عرب علويون 12%، مسيحيون 10%، أكراد سنة 9%، عرب دروز3%، عرب إسماعيليون 1%، أقليات أخرى 2%، (هذه النسب تقديرية وغير مُتحقّق من صحتها بسبب عدم وجود إحصاءات منشورة على أسس طائفية وعرقية) يتكون الشعب السوري من سبع عرقيات مختلفة، وتسعة طوائف باعتبار الكنائس المسيحية طائفة واحدة، و19 طائفة باعتبار الكنائس المسيحية طوائف منفصلة. ينصّ الدستور على المساواة في الحقوق والواجبات بين كافة السوريين. على مستوى الدين، فإنّ الإسلام وفق مذاهب أهل السنة والجماعة لاسيّما المذهب الحنفي هو الأكثر انتشارًا بين السوريين بحوالي 74%، وينصّ الدستور على أنه الدين الرئيس للدولة ويعدّ الفقه الحنفي مصدرًا رئيسيًا للتشريع فيها، ويضمن الدستور لمختلف الطوائف الأخرى قوانينها الخاصة في الأحوال الشخصية، كما يكفل الحرية الدينية وإن كانت مقيدة من بعض الجوانب حسب تقرير «الحرية الدينية في العالم»، وتشرف الدولة على القطاع الديني الإسلامي من خلال وزارة الأوقاف، أما المؤسسات المسيحية فهي مستقلة.
وعلى مستوى المجموعات العرقية، فإنه وبعد الاستعراب غدا عرب سوريا العماد الأساسي للسكان في البلاد بحوالي 86%. وتتميز سوريا بارتفاع نسب «الأقليات» في مناطق معينة وتشكيلهم الغالبية فيها، مثل الساحل السوري ووادي العاصي الغربي ذي الغالبية العلوية، والجزيرة السورية ذات الغالبية الكردية – السريانية، وجبل العرب ذي الغالبية الدرزية.
اللغة
لغات سوريا قبل الاستعراب وحتى القرن الحادي عشر أو القرن الثاني عشر بالنسبة لأغلب الريف السوري كانت اللغة السريانية، لغة التخاطب اليومي في البلاد وهي اللغة التي يعدّها البحاثة لغة المنطقة القوميّة. مع انتشار اللغة العربية كلغة تخاطب، نشأت اللهجة السورية، والتي اقتبست إن من ناحية المفردات أو من ناحية اللحن لاسيّما في الجزيرة من اللغة السريانية بشكل وافر مع تأثيرات تركية وفرنسية محدودة لاحقة، وتقسم اللهجة السورية إلى عدة فروع متمايزة من ناحية نطق بعض مخارج الحروف؛ مع وجود للهجة النجدية بين البدو. المجموعات العرقية تستخدم لغاتها الأم إلى جانب اللهجة السورية، كاللغة الكردية والسريانية والأرمنية والشركسية والتركية في معاملاتها اليومية، والآرامية في معلولا. على الصعيد الرسمي فإنّ العربية لغة الدولة الرسمية، وتفرض المناهج الدراسية تعلّم اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وتعتبر سوريا من البلاد القليلة التي انتدبت من قبل فرنسا ولم ترسخ فيها اللغة الفرنسية، بسبب سياسة الحكومات لاسيّما بعد 1963. وللمجموعات الناطقة بغير العربية حق تأسيس مدارس أو وسائل إعلام بلغاتها الخاصة، وذلك بعد الكف عن سياسة الاستعراب والتعريب.
– الجغرافيا
تقع سوريا في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا؛ تطل سوريا على البحر الأبيض المتوسط ويبلغ طول الشريط الساحلي 193 كم، أما مجموع الحدود العام يبلغ 2253 كم وهو موزع بين تركيا في الشمال والعراق في الشرق والجنوب، والأردن في الجنوب، أما من ناحية الغرب فإلى جانب البحر الأبيض المتوسط يحد سوريا كل من لبنان وإسرائيل؛ بين خطي عرض 32 – 37.5 شمال خط الاستواء، وبين خطي طول 35.5 – 42 شرق غرينتش، وتبلغ مساحتها 185000 كم2.
تضاريس البلاد متنوّعة: في الجنوب تقع هضبة الجولان البركانيّة وسهل حوران الخصيب يليه جبل العرب المكوّن أساسًا من الصخور البازلتية؛ نحو الشمال يوجد سلسلة جبال لبنان الغربية على الحدود مع لبنان والتي تحوي أعلى نقطة في البلاد وهي جبل الشيخ أو حرمون، وتنبسط منها سهول خصيبة تشكل غوطة دمشق، قبل أن تتحول إلى أراض جبلية جرديّة قاحلة في سلسلة جبال القلمون والنبك إلى شمال ريف دمشق؛ قبل أن تنبسط مجددًا في سهل الغاب وسهول الساحل السوري، الذي تقسمه طوليًا سلسلة جبال الساحل الممتدة من الحدود التركيّة وحتى لبنان، ويعدّ جبل الزاوية رديفًا له.
في أقصى الشمال السوري، تتموضع حلب القائمة على هضبة محيطة بسهول خصيبة مع بعض الجبال مثل جبل سمعان؛ وتلتقي مع وادي الفرات ذي التربة الخصبة الممتد حتى الحدود العراقيّة؛ ويقع في أقصى الشمال الشرقي منطقة الجزيرة، التي اكتسبت اسمها من لكثرة الأنهار المتواجدة فيها، والتي تعتبر أيضًا من أخصب مناطق البلاد. بين وادي الفرات وسهل الغاب تتواجد بادية الشام، الرملية والقاحلة، تتخللها بضع جبال مثل سلسلة الجبال التدمرية. في سوريا جزيرة واحدة مقابل طرطوس هي جزيرة أرواد، وعدد من الأودية مثل وادي النصارى ووادي بردى.
الحدود
هناك اتفاق بين غالبية الباحثين أنّ لفظ سوريا كان يشمل حتى القرن العشرين مساحة أوسع مما هي عليه اليوم؛ ويشار إليها حاليًا بمصطلحات مثل «سوريا الجغرافية» أو «سوريا الكبرى» أو «سوريا الطبيعية»، وهي تشمل بلاد الشام أو الهلال الخصيب. في عام 1920 نصّت معاهدة سيفر بين تركيا وفرنسا على اعتبار أراضي شمال سكة حديد إسطنبول – بغداد، تابعة لتركيا، وهي منطقة مؤلفة من أكراد وسريان وأرمن وعرب، وذات صلة اجتماعية واقتصادية بحلب. عام 1937 فصل الانتداب لواء إسكندرون ومنحه حكمًا مستقلاً، ثم ضمّته تركيا عام 1939 بحجة كون سكانه من الأتراك رغم أنّ نسبتهم فيه لا تتجاوز 40%.
في سبتمبر 1920 فصلت الأقضية الأربعة وأهمها بعلبك والبقاع عن دمشق، وألحقت بمتصرفية جبل لبنان ذات الحكم الذاتي منذ 1860 لتشكيل دولة لبنان الكبير. في العام ذاته، فصل تحقيقًا لاتفاقية سايكس بيكو ما كان يعرف باسم «سوريا الجنوبية» ومنح لبريطانيا التي أقامت فيه إمارة شرق الأردن، إرضاءً للهاشميين بعد أن خسر الملك فيصل حكم دمشق. أخيرًا فإنه بعد الهزيمة في حرب 1967 احتلت إسرائيل الجولان. خلال القرن المنصرم، طرحت محاولات عديدة للتوحيد أبرزها مشروع الملك عبد الله الأول عن سوريا الكبرى عام 1947، ومشروع حزب الشعب للوحدة مع العراق عام 1950.
المناخ
يصنف في شعبتين كبيرتين هما مناخ متوسطي في المنطقة الساحلية والمناطق القريبة منها، وجاف في سائر المناطق. المناخ المتوسطي يتميز بصيف حار وجاف وشتاء بارد وماطر مع وجود فصلين انتقاليين هما الخريف والربيع، أما المناخ الجاف فهو قليل الأمطار قارس البرودة في الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة ما دون الصفر المئوي وشديد الحرارة في الصيف، أما في المناطق الجبلية والمرتفعات تسود درجات حرارة معتدلة صيفًا بحكم الموقع المرتفع. هطول الأمطار عادةً ما يكون بين سبتمبر ومايو من كل عام؛ وتسقط الثلوج على المرتفعات الغربية ويبلغ الهطول حده الأقصى عادةً في شهر يناير، ويتصف بعدم التجانس في توزيع المطر بين الساحل والداخل، وكذلك باختلاف معدلات الهطل المطري السنوي على الأراضي،
ويمكن التمييز بين ثلاث مناطق: المناطق ساحلية ذات هطل مطري مرتفع، يصل إلى حوالى 1200 مم/سنة؛ ومناطق داخلية مجاورة للمنطقة الساحلية، يتضاءل فيها الهطل ليصل إلى حوالى 250 مم/سنة، ويرتفع إلى 550 مم/السنة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية؛ ومناطق البادية وهي تشكل حوالى 60 % من مساحة البلاد، حيث لا يتجاوز معدل الهطل فيها 150 مم/سنة.
بخصوص الرطوبة، فيتصف الجو في جميع أنحاء سوريا عدا المناطق الساحلية بارتفاع في معدل الرطوبة النسبية خلال فصل الشتاء وانخفاضها في فصل الصيف؛ أما بالنسبة للمنطقة الساحلية فهي ذات رطوبة نسبية مرتفعة خلال فصل الصيف بسبب تأثير البحر؛ وتكون المناطق الصحراوية والنصف صحراوية هي أقل المناطق رطوبة؛ ويبلغ معدل الرطوبة خلال فصل الصيف من 20-50% في المناطق الداخلية ومن 70-80% في المناطق الساحلية، أما في فصل الشتاء فيتراوح المعدل بين 60-80% في المناطق الداخلية وبين 60-70% في المناطق الساحلية.
أما الرياح، فهي معتدلة، باستثناء هبوب رياح البادية على دمشق ومناطق وادي الفرات في فصل الصيف. المياه المقالة الرئيسة: أنهار سوريا نهر الفرات عند البوكمال. سوريا غنية بالموارد المائية، سواءً أكانت أنهارًا، أم بحيرات، أم ينابيع جوفية. أكبر الأنهار المارة في سوريا هو نهر الفرات، الذي يدخل سوريا من تركيا ويجتاز منطقتها الشرقيّة باتجاه العراق ويبلغ طول مجراه في أراضي الجمهورية 675 كم، يضاف إليه عدد من الروافد الأساسية أبرزها نهر البليخ بطول 460 كم ونهر الخابور. كما يمر في سوريا نهر دجلة بطول 50 كم في أقصى الشمال الشرقي محاذيًا الحدود العراقية. ثالث الأنهار السورية من حيث الطول هو نهر العاصي الذي يدخل سوريا من لبنان بطول 325 كم ويشكل العصب الرئيسي للمناطق الزراعية في سهل الغاب؛ كما تتميز المنطقة الساحلية بالأنهار الجبلية القصيرة أبرزها نهر السن ونهر الكبير الشمالي، كما يوجد نهر بردى الذي ينبع من سلسلة جبال لبنان الشرقية مارًا بدمشق وغوطتها قبل أن يصب في بحيرة العتيبة في البادية، ويشكل المحفظة المائية لمدينة دمشق وريفها. أما الجنوب فأهمّ أنهاره نهر اليرموك الذي يتابع طريقه غربًا ملتقيًا بنهر الأردن قبل أن يصب بالبحر الميت. أقامت الدولة، عددًا وافرًا من السدود على مختلف الأنهار المارة في البلاد، أهمها سد الفرات الذي يشكل من خلفه بحيرة صناعية بطاقة 14.1 مليار متر مكعب من المياه؛ ومن السدود الهامة الأخرى، سد الرستن على نهر العاصي، وسد 16 تشرين على نهر الكبير الشمالي.
تحوي سوريا عددًا من البحيرات الطبيعية والاصطناعية المتشكلة خلف السدود أكبرها بحيرة الأسد، والبحيرات السبع قرب اللاذقية، وبحيرة 17 نيسان على نهر عفرين وبحيرة الرستن على نهر العاصي التي أنشئت عام 1960؛ أما البحيرات الطبيعية في سوريا أبرزها بحيرة قطينة قرب حمص وبحيرة زرزر قرب الزبداني، وبحيرة مسعدة في الجولان التي تتميز بمياهها الكبريتية. الغطاء النباتي والحيواني المقالات الرئيسة: الحياة البرية في الشام والغابات السورية الغطاء النباتي في سوريا متنوع في المناطق الوسطى والغربية ويناقض ذلك في مناطق بادية الشام وعموم المنطقة الشرقية. تحوي سوريا على ثلاثين محمية طبيعية؛ وتعتبر محافظة اللاذقية أغنى المحافظات السورية من حيث الغابات والغطاء النباتي بنسبة 31% من مجموع غابات الجمهورية تليها منطقة سهل الغاب بحوالي 12%. ويعيش في سوريا حوالي 3500 نوع من النباتات والأشجار فيها.
أما عن الغطاء الحيواني فهو بدوره متنوع غير أن بضع حيوانات كانت تعيش في سوريا كالفيل السوري أو الفهد قد انقرضت تمامًا، ويلعب التصحر دورًا مهمًا في القضاء على التنوع النباتي والحيواني في سوريا، ويهدد 18% من مجمل المساحة العامة. وتسعى الحكومة السورية لمكافحة التصحر من خلال خطط خاصة توضع لذلك.
السكان
بلغ عدد سكان سوريا حسب تقديرات الأمم المتحدة عام 2017، في مطلع شهر تموز حوالي 18,270 مليون نسمة بمعدل نمو سكاني سالب بلغ -2.30% في حين قدرت نسبة الولادات بحوالي 18.9 مولود لكل ألف نسمة مقابل 5.4 مولود من الوفيات لكل ألف نسمة أيضًا؛ ويقيم حوالي 56.1% من مجموع السكان في المدن. وتعتبر مدينة حلب أكبر المدن السوريّة، بينما تتميز دمشق الكبرى بأكبر تجمع سكاني، ويقطن في المنطقتين 44% من مجموع الشعب. ولقد ارتفع عدد السكان من 4.5 مليون نسمة عام 1960 إلى 23.5 مليون نسمة (حسب تقديرات سنة 2010)، بسبب تحسن مستوى المعيشة والحالة الصحية، بينما انخفض معدل الخصوبة من 7 أطفال للمرأة الواحدة في المتوسط خلال منتصف القرن العشرين إلى 3 أطفال حاليًا، مع بقاء هذا الرقم فوق المتوسط العالمي المحدد بأنه 2.1 طفل للمرأة؛ وكانت هذه الزيادة السكانية المتسارعة تؤثر سلبًا على الاقتصاد والتنمية.
إلى جانب المدن التي يفوق عدد سكانها المليونين وهما دمشق وحلب، فإن المدن التي فاق عدد سكانها المليون أو شارفت على ذلك هي حمص، وحماة، واللاذقية؛ أما بقية السكان فيعيشون في المدن الصغيرة، والريف إلى جانب وجود مجموعات قليلة من البدو في بادية الشام. تعاني البلاد من تضخم المدن الكبرى كدمشق وحلب مدعومة بالهجرة من الريف إلى المدينة، وهو ما يؤثر سلبًا على التنمية؛ وبشكل عام فإنّ الكثافة السكانيّة تعتبر عالية في المنطقة الساحلية وسهل الغاب وجبل الزاوية، والعاصمة دمشق وريفها ومدينة حلب، وتقلّ في الجزيرة ووادي الفرات، وتنعدم تقريبًا في بادية الشام.
منذ القرن التاسع عشر، ازدهرت الهجرة من سوريا نحو العالم الجديد، خصوصًا أمريكا اللاتينية، ويقدر العدد التقريبي لذوي الأصول السورية بنحو 12 – 15 مليون نسمة، ومع امتلاكهم حق الحصول على الجنسية السورية فإن معظمهم غير حاصل عليها، وفي الفترة الراهنة تزدهر الهجرة نحو منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ذات التأثير الديموغرافي الأقل على البلاد بسبب القرب الجغرافي من جهة، وعدم التجنيس في دول المهجر من جهة ثانية.
لقد كانت سوريا منذ العصور القديمة موئلاً لهجرات عديدة، أو توطين بديل مثل هجرة الشركس في القرن التاسع عشر، أو فرق عسكرية وتجار استقرت نهائيًا في البلاد مثل التركمان، والأرناؤوط، وأحدث الهجرات هي هجرة بعض العشائر من نجد إلى وادي الفرات أواخر القرن السابع عشر، والهجرة الأرمنية خلال الحرب العالمية الأولى، وهجرة فلسطيني سوريا في أعقاب حربي 1948، و1967، والهجرة من الجولان بعد حرب 1967 أيضًا، والهجرة العراقية بعد غزو 2003.
الزراعة
تشكل الزراعة 26% من الدخل القومي، ويعمل بها حسب إحصاءات 2007 الرسمية مليون عامل دون الصناعات المعتمدة عليها؛ تعتبر سوريا السادسة عالميًا بإنتاج الزيتون. والثالثة العشر في إنتاج القطن عام 2010 أي قبل الحرب الأهلية طبقا لإحصائيات مجلس القطن الوطني لأمريكا. ولكن بسبب الحرب الأهلية وما خلفته من أضرار على الاقتصاد والزراعة انخفض إنتاج القطن السوري بشكل ملحوظ جدا. أما المحاصيل الأخرى تشمل القمح، والأشجار المثمرة، وهي محققة الأمن الغذائي في جميع أنواع الأغذية الأساسية وتصدر قسمًا منها. وتتزامن الزراعة مع تربية الحيوان، وأهم المواشي البقر بحوالي 1.2 مليون رأس، والأغنام بحوالي مليوني رأس، والدجاج بحوالي 120 مليون دجاجة، والأسماك بإنتاج 17 ألف طن سنويًا، وبشكل ثانوي المناحل، وتحقق منتجات الحيوان أيضًا الاكتفاء الذاتي وتصدر للخارج.
الصناعة والسياحة
الصناعة في سوريا لا تزال تعتبر نامية ومقتصرة على 12.5% من القوى العاملة، مع كون 85% من المنشآت الصناعية صغيرة وتوظف أقل من عشر عمال، وعام 2000 كان فقط 2.3% من المنشآت الصناعية المقدر عددها بنحو 90 ألفًا توظف أكثر من مئة عامل. يقتصر القطاع الصناعي على الصناعات المتوسطة، كالصناعات الغذائية، والمنسوجات، وبعض الصناعات الثقيلة، كالإسمنت، والأسمدة، وتكرير النفط، ومواد البناء، وإنتاج الكهرباء، مع معمل وحيد لصناعة السيارات؛ في حين تستورد البلاد معظم حاجاتها الصناعية والإلكترونية.
أما التجارة والخدمات، فيشكلان 42% من الناتج المحلي الإجمالي، و39% من القوى العاملة متركزين في المدن الكبرى، ومشتملين خدمات مصرفية، وترانزيت، وسوق دمشق للأوراق المالية، ومعرض دمشق الدولي، وخدمات السياحة التي توفر أيضًا 31% من احتياطي النقد الأجنبي. في عام 2010 بلغ عدد السياح في سوريا 6 ملايين سائح دون السياحة الداخلية وزيارة السوريين في الخارج، مع متوسط استثمار سنوي بقيمة 6 مليارات دولار، وصنفت سوريا كواحدة من أفضل المواقع السياحية في العالم، مع انخفاض كلفة السياحة مقارنة بالدول المجاورة، وغناها الطبيعي والأثري، غير أن الأزمة أفضت لاختفاء السياحة من البلاد.
الثروات المعدنية
على صعيد الثروات الطبيعية، فإن سوريا هي الدولة 27 عالميًا بإنتاج النفط بمعدل 400 ألف برميل يوميًا، يستهلك محليًا، ويصدر قسم منه إلى الخارج لإعادة استيراد مشتقاته؛ وإلى جانب الآبار الموجودة في الحسكة ودير الزور، اكتشفت كميات كبيرة من النفط والغاز في البحر قبالة الشواطئ السورية. ثاني الثروات، هو الغاز الطبيعي، ويستخدم للاستهلاك المحلي، ويبلغ الإنتاج 28 مليار لتر مكعب سنويًا، وثالثها الفوسفات في حمص، بإنتاج 2.6 مليون طن يصدر معظمه، وتعتبر التاسعة عالميًا في إنتاجه. على صعيد إنتاج الطاقة، فقد حققت سوريا منذ 2002 الاكتفاء الذاتي من حاجاتها الكهربائية بمقدار 21.6 مليار كليوواط ساعي، إلا أن الأزمة أدت إلى تراجع القدرة على إنتاج الطاقة بكميات كبيرة، وبالمتوسط فإن المدن السورية تقطع عنها الكهرباء بين 6 – 9 ساعات يوميًا، حتى في المدن التي لا تشهد معارك كدمشق واللاذقية.
التجارة الخارجية
عام 2010 بلغت قيمة الصادرات السورية 10.5 مليار دولار، أكثر من 50% منها مع الدول العربية خصوصًا العراق والسعودية، وحوالي 30% مع دول الاتحاد الأوروبي، وبلغت قيمة الواردات السورية 15 مليار دولار، حوالي 25% من دول الاتحاد الأوروبي، و16% من الدول العربية خصوصًا مصر والسعودية، أما باقي النسب موزعة بين الصين، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، وتركيا. لسوريا اتفاقات تجارة حرة مع العراق، وتركيا، وإيران، ومفاوضات للشراكة الأوروبية أوقفت بنتيجة الأزمة، وعقوبات منذ 2001 من قبل الولايات المتحدة فضلاً عن العقوبات المفروضة على التجارة بنتيجة الأزمة؛ وتبلغ قيمة الدين الخارجي 7.7 مليار دولار تملكه روسيا، وقد شطبت معظمه في يناير 2005.
التعليم
ينصّ الدستور على كون التعليم حقًا من حقوق كل مواطن، وهو إلزامي في مرحلة التعليم الأساسي ومجاني في جميع المراحل. إلى جانب المدارس التي تديرها الدولة عن طريق وزارة التربية والتعليم، فإنّ القطاع الخاص يستثمر في مجال التعليم أيضًا، مع ملاحظة إجبارية مواد المنهاج التي تصدره الوزارة. التعليم قبل الجامعي في سوريا، ينقسم إلى مرحلتين: التعليم الأساسي من 6-15 عام وهو مكوّن من حلقتين، ومرحلة التعليم الثانوي من 15 – 18 عامًا، وتشمل ثلاثة فروع هي العلمي والأدبي والشرعي، وسبعة فروع مهنية هي الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والمعلوماتي والفنّي، وينتهي بنيل الطالب شهادة الثانوية العامة، والتي تؤهله بحسب معدله وبناءً على مفاضلة تصدرها وزارة التعليم العالي اختصاصه النهائي في الجامعات. غالب السوريين يتجه للدراسة في جامعات الدولة، وأقدمها جامعة دمشق.
وضعت الدولة عام 1972 قانونًا لمحو الأميّة، غير أنها لم تفلح في تطبيقه تمامًا، وقد انخفضت نسبة الأميين من 19% عام 2000 إلى 14.2% عام 2008، وبهذا تحتل سوريا المرتبة التاسعة عربيًا والمرتبة 119 عالميًا في محو الأمية. ينظم في البلاد سنويًا عدد كبير من المهرجانات الثقافية ومعارض الكتب أبرزها «معرض دمشق للكتاب»، وتدير الحكومة عددًا من المكتبات وقاعات المطالعة، ولعلّ أبرز المكتبات العامة هي مكتبة الأسد الوطنية. كذلك تحوي المدن مراكز المحافظات ومراكز المناطق على دور ثقافية ومسارح تديرها وزارة الثقافة، وتحوي مكتبات عامّة صغيرة الحجم، وتنظم من خلالها المهرجانات وسائر الأيام الثقافية.
الصحة
الاستثمار في القطاع الصحي، تتدخل به الدولة إلى جانب القطاع الخاص. تقوم الحكومة بإدارة 85 مشفى في الجمهورية أغلبها تخصصي كبير الحجم إلى جانب حوالي 800 مستوصف صحي في المناطق الريفية. يضاف إلى هذه المشافي التابعة لوزارة الصحة، 12 مشفى جامعي يتبع |لوزارة التعليم العالي و18 مشفى عسكري يتبع وزارة الدفاع. أما المشافي الخاصة فقد بلغ عددها عام 2008 حوالي 400 مشفى وتغطي حوالي 25% من مجمل القطاع الصحي، إلى جانب عدد كبير من العيادات الصحية الخاصة التي يقوم بإدارتها الأطباء السوريين، وتخضع بمجملها لرقابة وزارة الصحة. تقتطع الحكومة جزءًا من رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام، كتأمين صحي في المنشآت الصحية التابعة لها، وتنص القوانين المرعيّة أنه على شركات القطاع الخاص أيضًا تسجيل عمالها في التأمينين الصحي والاجتماعي سواءً أكان ذلك في مؤسسات القطاع العام والخاص. يبلغ متوسط عمر المواطنين السوريين 74 عامًا، وهو متقارب مع سائر الدول في المنطقة. على صعيد الصناعة الدوائية، يوجد 65 معملاً للأدوية تتركز معظمها في ريف دمشق وحلب، لتحتل سوريا المركز الثاني عربيًا من حيث الصناعة الدوائية وتقوم بالتصدير لدول الخارج، أما بعض أنواع الأدوية التي لا تقوم المعامل السورية بإنتاجها تستورد وتشكل 20% فقط من مجموع حاجات سوريا للدواء.
الثقافة والأداب
العديد من عناصر الثقافة السورية التقليدية مكوّنة من التراكمات المتراكبة للثقافات التي انتشرت في البلاد منذ سوريا الآرامية. الثقافة السورية التقليدية، اندثرت أو تراجعت بشكل كبير، أو اتخذت أشكالاً جديدة مع تطور العصر منذ النصف الثاني للقرن العشرين. هذا يشمل وبدرجات متفاوتة، حضور الحكواتي، والكركوزاتي، والعراضية الشامية، ورقصة السيف والترس، والأمثال الشعبية، والزجل، والسيارين، وارتياد المقاهي التقليدية، وتدخين الأركيلة، ومجالس السمر، والاحتفالات التي تقام في المناسبات الخاصة مثل الولادة أو الختان، وسيطرة القيم الأسرية. الخط التقليدي للعمارة السورية يشمل نمط البيوت العربية، والتي تجمع بين فساحة المكان، والنور الطبيعي، والخضرة، ووفرة العنصر المائي، مع كثير من الزخرفة والتطعيم في قطع الأثاث؛ كذلك فإنه من الصروح الهامة والتي تعكس فنون العمارة السورية، صروح مثل كاتدرائية القديس سمعان العمودي شمال حلب.
منذ نهاية القرن التاسع عشر، انتشرت الصيغ الحديثة للعمارة مثل الأبراج السكنية، وهي ما حلّ تدريجيًا مكان الأنماط التقليدية للبناء؛ تمامًا مثل الأزياء، فباستثناء بعض مناطق الريف الشمالية والشرقية، فإنّ الأزياء التقليدية – المؤلفة من شروال مع قميص وصدرية، أو جلباب في بعض المناطق، مع وضع العمامة أو الطربوش على الرأس بالنسبة للذكور، وعباءة طويلة داكنة اللون بالنسبة للسيدات، زاهية بالنسبة للفتيات، وغالبًا ما تكون مزينة بأقراط ومطرزة مع وشاح يعصب الرأس، بالنسبة للإناث – استبدلت منذ النصف الثاني للقرن العشرين تدريجيًا بالأزياء الحديثة كسراويل الجنيز وغيرها. وإلى جانب الأنماط التقليدية للرسم، والتطعيم، والنحت، تنتشر المدارس المعاصرة لهذه الفنون وسواها.
الأنماط التقليدية من الموسيقا والأغاني، تعرف أساسًا بالقدود الحلبية، ولا تزال واسعة الانتشار، وبشكل خاص فإنّ أشهر مغني التراث السوري هو صباح فخري. تنتشر أيضًا الأنماط الحديثة من الموسيقا المعاصرة لفنانين محليين أو عرب، وقد حقق عدد من الفنانين نجاحًا على مستوى العالم العربي، مثل أصالة نصري، وناصيف زيتون؛ أيضًا فإن البلاد تحوي الأوركسترا السورية. أنماط الرقص التقليدية مثل الدبكة، ورقص السماح، والرقص الشرقي، لا تزال منتشرة إلى جانب الأنماط الحديثة من الرقص خصوصًا في المدن الكبرى.
إن المطبخ السوري، يعكس تنوّع حاصلات البلاد الزراعية وغناها، فهناك أصناف تعتمد على اللحوم مثل المحاشي، والمناسف، والكباب، وأخرى تعتمد على البقول مثل الفتة، والفول، والفلافل؛ وأخرى على البقوليات مع أطباق الأرز مثل الملوخية، والفاصولياء وغيرهما؛ ولعلّ الفتوش والتبولة، أشهر أنواع السلطات السورية، بينما تتنوع الحلويات الشامية التي يصطلح عليها اسم الحلو العربي، مع تأثر بالمطبخ التركي. منذ تأسيس الاتحاد السوري لكرة القدم عام 1936، تعتبر كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في البلاد، وينظم سنويًا الدوري السوري لكرة القدم، مع انتشار محدود لرياضات أخرى مثل السباحة، والفروسية، والتنس، وكرة السلة، ورالي اكتشف سوريا.[248] أفضل النتائج التي حققتها الفرض السوري هي نادي الكرامة وصيف بطل آسيا لعام 2006، ونادي أهلي حلب الفائز بكأس آسيا عام 2010، وقد حقق الرياضيون السوريون في الألعاب الأوليمبية، ميداليات بمعدل ميدالية في كل دورة؛ ونظمت البلاد عددًا من الأحداث الرياضية الإقليمية الهامة، مثل دورة ألعاب البحر المتوسط عام 1987، ودورة الألعاب العربية عام 1992.
أما الأعياد والمناسبات السنوية التي يحتفل بها في سوريا، مؤسسة على مناسبات دينية للجماعات المختلفة؛ ويسبق الاحتفال بالأعياد الكبرى مثل عيد الفطر، ازدياد في نشاط حركة الأسواق، وزيارة القبور والأقارب والأصدقاء، وأيضًا الحفلات أو الانتقال إلى خارج المدن للتنزه. تعترف الدولة السورية بقائمة تضم 27 مناسبة دينية ووطنية وتعتبرها عطلاً رسمية، أما العطلة الرسمية فهي يومي الجمعة والسبت. المناسبات الوطنية مثل عيد الشهداء، وعيد الجلاء، وهو اليوم الوطني السوري؛ يقام سنويًا أيضًا مجموعة من المهرجانات والمعارض في مختلف المناطق والمدن.
بهدف إبراز التراث الثقافي السوري، والحفاظ عليه تحوي البلاد أعدادًا من المتاحف أهمها المتحف الوطني بدمشق، إلى جانب المتاحف التخصصية والأصغر حجمًا؛ هناك الكثير من التحف السورية معروض في متاحف عالمية مثل متحف اللوفر؛ ومع كون سورية غنية بالمناطق التاريخية والأثرية – 7000 إلى 10.000 موقع أثري فإنّ فقط 18 موقع مدرج على قائمة التراث العالمي؛ وقد قدرت قيمة الآثار السورية المهربة للخارج خلال الأزمة ملياري دولار حسب بعض المصادر. اختيرت دمشق عام 2008 كعاصمة للثقافة العربية؛ وكانت حلب قد اختيرت عام 2006 كعاصمة للثقافة الإسلامية.
تأسس المسرح السوري عام 1871 على يد أبو خليل القباني، ويعدّ أول مسرح عربي معاصر؛ وتأسست السينما السورية عام 1927، لتغدو البلاد أحد مراكز صناعة السينما العربية، ومركز مهرجان دمشق السينمائي الدولي. وتعتبر الدراما السورية التلفزيونية أول ميادين الفنون الإعلامية شهرة، وحسب رأي عدد من النقاد تعتبر الأفضل عربيًا، وبعض أركانها استطاعوا الوصول إلى العالمية. تأسست الإذاعة السورية عام 1946، والتلفزيون السوري عام 1959، ومنذ عام 2004 فتح باب الاستثمار بالإذاعات وقنوات التلفزة، وكان قبلاً حكرًا على الدولة، وهو ما دفع لتأسيس عدد منها سواءً كانت مراكزها داخل البلاد أم خارجها، ويقوم غالب السوريين بمتابعة القنوات العربية غير السورية أكثر من تلك السورية. الصحافة السورية تأسست في حلب عام 1854، ولعبت دورًا مؤثرًا في الحياة الثقافية والاجتماعية خلال القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، واحتكرت من قبل الدولة بين 1963 – 2004، وحاليًا يصدر في البلاد عدد من الصحف الخاصة والحكومية المتنوعة، مع انتقادات واسعة حول حرية الصحافة في سوريا.
الأدب في سوريا، شعرًا أو نصوصًا أو أدب رحلات، يعدّ جزءًا من الأدب العربي عامة، ويذكر من مواليد المدن السورية أو من قضوا قسمًا من حياتهم فيها البحتري، وأبي تمام، والمتنبي، كالثلاثي الأكثر تميزًا في العصور القديمة، إلى جانب آخرين مثل ديك الجن، والأخطل. في المرحلة الحديثة، برز عدد من الأدباء السوريين على مستوى الأدب العربي، وترجمت أعمالهم للغات مختلفة، يذكر منهم: نزار قباني، وأدونيس، ومحمد الماغوط، وزكريا تامر وكوليت خوري، وسعد الله ونوس، وحنا مينه. على صعيد الفلسفة، فقد خرج من سوريا فلاسفة من مختلف التوجهات مؤثرين بدرجات متفاوتة في محيطهم والعالم، ولعلّ القديس يوحنا الدمشقي الأشهر من مرحلة سوريا الأنتيكية، والفارابي وأبي العلاء المعري من القرون الوسطى، وفرنسيس مراش ورزق الله حسون من مرحلة النهضة العربية. تحوي البلاد مجمع اللغة العربية، هو الأول في العالم، وكان محمد كرد علي أول رئيس له.
مصادر ومراجع هذا السرد
وديع بشور (1994). سوريا صنع دولة وولادة أمة (ط. الأولى). دمشق، سوريا: دار اليازجي.
يوسف الحكيم (1983). سورية والانتداب الفرنسي. بيروت، لبنان: دار النهار.
عبد القادر عياش (1989). حضارة وادي الفرات: القسم السوري : مدن فراتية. الاهالي للطباعة والنشر والتوزيع. مؤرشف من الأصل في 26 آب / أغسطس 2020. اطلع عليه بتاريخ 26 آب / أغسطس 2020.
محمد فريد (2014). تاريخ الدولة العلية العثمانية. كتاب Inc. مؤرشف من الأصل في 2022-12-26. اطلع عليه بتاريخ 26 آب / أغسطس 2020.
فيليب حتي (1972). تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين. ترجمة: كمال اليازجي. بيروت، لبنان: دار الثقافة.
عبد العزيز عوض (1969). الإدارة العثمانية في ولاية سورية 1864-1914. القاهرة، مصر: دار المعارف.
قسطنطين بازيلي (1989). تاريخ سورية وفلسطين في العهد العثماني. موسكو، الاتحاد السوفيتي: دار التقدم.
جمال باروت (1994). حركة التنوير العربية في القرن التاسع عشر : حلقة حلب : دراسة و مختارات. دمشق، سوريا: وزارة الثقافة.
ستيفن هامسلي لونغريغ (1978). تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. ترجمة: بيار عقل. بيروت، لبنان: دار الحقيقة للطباعة والنشر.
ميشيل ترستيان دافيه (1984). المسألة السورية المزدوجة: سوريا في ظل الحرب الثانية. دمشق، سوريا: دار طلاس للدراسات والنشر.
غسان محمد رشاد حداد (2007). أوراق شامية من تاريخ سورية المعاصر 1946 – 1966.
غوردن تورري (1964). Syrian Politics and the Military, 1945-1958 [السياسة والجيش السوريان 1945 – 1958] (بالإنجليزية). دار نشر جامعة ولاية أوهايو.
سورية: التقرير الوطني للتنمية البشرية 2005: التعليم والتنمية البشرية نحو كفاءة افضل. دمشق، سوريا: رئاسة مجلس الوزراء، هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. 2005.
إبراهيم مصطفى المحمود (2011). موسوعة السياسة والحرب في بلاد الشام. دمشق، سوريا: الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة.
توفيق برو، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني، دمشق، دار طلاس، 1991.
القانون الأساسي للملكة السورية 1920، محفوظ في مكتبة الأسد الوطنية، دمشق.
مازن صباغ، سجل الدستور السوري، دار الشرق، دمشق، 2010.
وديع بشور، سوريا صنع دولة وولادة أمة، دار اليازجي، دمشق،1994، ط1، ص391.
محاضر مجلس النواب – الجمعية التأسيسية السورية 1928.
دستور الجمهورية السورية 1950، محفوظ في مكتبة الأسد الوطنية، دمشق.
دستور الجمهورية العربية السورية 1973، محفوظ في مكتبة الأسد الوطنية، دمشق.
مذكرات لجنة الدستور في مجلس الشعب، الجريدة الرسمية السورية، 1973.
جورج جبور، نحو لجنة في مجلس الشعب للحريات والحقوق والواجبات العامة، دار نينوى، دمشق، 2006.
كمال ديب، تاريخ سورية المعاصر من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011، دار النهار، بيروت، ط2، 2010
بيان ال99 في صحيفتي النهار والسفير، لبنان 26-9-2001.
جمال باروت، العقد الأخير في تاريخ سورية جدلية الجمود والإصلاح، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2012.
دستور الجمهورية العربية السورية 2012، محفوظ في مكتبة الأسد الوطنية، دمشق.
الأزمة السورية، نبذة منشورة في موقع الأمم المتحدة، news.un.org/ar/focus/syria.

