السريان الكاثوليك

السريان 

في القرون الميلاديّة الأولى، كان الآراميون يشكلون مجموعة بشرية ضخمة في بعض المناطق، ولكنها لم تكن محددة السمات العرقية. كانوا يشكلون كتلة غير مستقرة تشمل سكان سوريا وفلسطين وبلاد ما بين النهرين، وكانت تلك المناطق موزعة بين امبراطوريتين كبيرتين في ذلك الوقت، وهما الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية البارثية. في إطار الإمبراطورية الرومانية، كان هذا الشعب يعرف بالسريان، على الرغم من وجود عدد من الشعوب الأخرى في المناطق التابعة للإمبراطورية، مثل اليونانيين والفرس والرومان، وغيرهم

يعتبر السريان موطنهم الأصلي هو سورية، خرجوا منها وعادوا إليها، فيما بقية الحضارات شعوبها خليط من أجناس وأقوام مخلفة، فإن السريان بميزاتهم الأساسية وهي كونهم من أمة واحدة، موطنها سورية الأصلية، أبقوا طابعهم المميز والفريد على مدى العصور والدهور، وهو أنهم الوعاء البشري لمن استوطن هذه البلاد وبقوا يقيمون بها ولازالت طقوس حضارتهم تمارس وتتميز مبرزة الوجه التاريخي الأصلي لهوية هذه البلد.

اللغة السريانية

تعد اللغة السريانية لغة دولية عبر العصور في بلدان الشرق ومناطقه، ولم يكن استخدامها مقتصرًا على السريان فحسب، بل شمل أيضًا جيرانهم مثل الفرس والبيزنطيين والعرب. وقد تمت المباحثات الدبلوماسية باللغة السريانية حتى في أوقات الفرس والبيزنطيين. وفي هذه اللغة، تم صياغة القوانين والأنظمة والنصوص الإجرائية في سورية وبلاد ما بين النهرين. كما تمت ترجمة العديد من الكتب العلمية والأدبية والدينية واللاهوتية إلى هذه اللغة، بدءًا من أعمال أرسطو وأفلاطون وصولًا إلى قصص كليلة ودمنة. وعن طريق السريانية بالذات، تعرف الفرس والعرب على العلوم والفلسفة اليونانية، وهو ما أثر بشكل كبير على عقلية الشعبين.

كما تعتبر اللغة السريانية جزء مهم من الثقافة والتراث السوري. السريانية هي لهجة الآرامية تحدث بها الآشوريون السوريون وهي واحدة من أكثر اللغات استخدامًا في المنطقة السورية منذ زمن، وتأتي في المرتبة الثانية بعد اللغة العربية. تعتبر اللغة السريانية، كلغة فريدة، ثروة ثقافية حيوية لأهل المنطقة، وقل استخدامها مع الزمن فكانت لخطر الزوال بسبب انتشار اللغة العربية وهجرة الشعوب من المنطقة.

السريان والمسلمين

 مع بداية ظهور الإسلام وانتشاره في العالم، كان المسيحيون يعيشون نوع من التشتت بسبب الخلافات العقائدية وتسببت الخلافات في انقسام الكنيسة عل مستويات مختلفة، في هذه الفترة وجد السريان أنفسهم في منتصف انتشار الرسالة المحمدية وحاولوا من خلال العلاقة الجيدة مع المسلمين التعايش معهم والسعي لحل المشاكل واضطهاد الذي كانوا يعانون منه، حيث كانوا سكان البلاد الأصليين، وقد وضعوا مهاراتهم ومعرفتهم تحت سيطرة الخلفاء الذين حكموا تلك المنطقة، بدءًا من الأمويين وحتى العباسيين.

مع تفكك الخلافة ودخول الأغراب للمنطقة وضعف العنصر العرقي فيها، تأثرت مصير السريان وأصبح مشابهًا لمصير العرب. عندما أصبح المسلمون العرب قوة، كانوا قوية معهم، وضعفوا عندما ضعفوا. تم دعم السريان خلال حكم الخلفاء الأمويين، حيث كانت هناك ود واحترام تجاههم، ومثال على ذلك هو معاوية الذي تعاون مع المسيحيين السريان، ساهم السريان ايضًا في فتح الباب الشرقي في دمشق للأمويين. على الرغم من بعض الحوادث الاستثنائية مثل قتل الزعيم السرياني للقبيلة العرقية المسيحية، كانت وضعية المسيحيين بشكل عام معقولة ومقبولة.

المسيحية السريانية

تعتبر سورية من أوائل البلدان التي اتخذت المسيحية دينًا لها فالأراميين الموجودين كانوا أنداك أول من اخذوا البشارة من الرسل ولقبوا أنفسهم بالسريان وساهموا في نشر المسيحية في المنطقة وخارجها ونشروا معها الثقافة واللغة المأخوذة من الآرامية، شهدت المسيحية في ذلك الوقت والى القرن السادس عدة أمور وعقبات منها عقائدية كسيطرة الفكر العقائدي على الجماعات ومنها فكري كدخول الأفكار الفلسفية الى ان وصلت الى ما هي عليه حاليا وما حدث في القرن الخامس في مجمع خلقيدونية (حول طبيعة المسيح البشرية والالهية) جعل الكنيسة الشرقية تتبنى فكرة الطبيعة الواحدة للمسيح، ومنها تبنت الكنيسة السريانية هذا الرأي وتابعت انتشارها، ورغم المعاناة التي عاناها السريان في ذلك الوقت وتأثرهم بالصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في زمن الإمبراطورية البيزنطية لكن ذلك لم يمنعهم من المتابعة في التبشير والإنتاج الفكري والثقافي فكانت المعاهد السريانية مستمرة في نشر الفكر الديني والحفاظ على ما وضعه الرسل من عقائد وأسس للكنيسة الأولى.

واستمرت الكنيسة السريانية متواجدة ومنتشرة في سوريا وأصبحت مقسمة لعدة أقسام نتيجة وجود الثقافات المختلفة ودخول الارساليات على المنطقة فأصبح هناك السريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك 

المسيحين السريان الكاثوليك في سوريا

السريان الكاثوليك في سوريا هم جزء من الكنيسة الشرقية الكاثوليكية، والتي تحتفظ بالتقاليد والطقوس الشرقية وفي نفس الوقت تتبع التعاليم البابوية في الفاتيكان. وهم قسم من السريان لم يتبنوا من تبناه السريان الارثوذوكس مجمع خلقيدونية وكان لهم وجود كما وجود السريان الارثوذوكس ولكن كان اعدادهم اقل حيث بلغ عددهم 1956 حسب الإحصاءات الرسمية 20716 نسمة من أصل 4025165 نسمة، أي شكلوا نسبة 0.5 بالمئة من النسبة الكلية، وهي نسبة قليلة، أما في عام 2000 فكان عددهم 62148 نسمة من أصل 16023228 نسمة أي حوالي 0.4 بالمئة من سكان سوريا. ويتوزع السريان الكاثوليك في محافظات عديدة من سوريا كدمشق ، حلب، حمص والحسكة غيرها من المحافظات.

وللسريان الكاثوليك تاريخ هام في تطور الكنيسة الكاثوليكية في سوريا، وقد تأثروا بالتطورات السياسية والاجتماعية على مر العصور وساهمت الارساليات الغربية في ثباتها وزيادة نشاطها مما زاد من فعاليتها. وبشكل عام، يسعى السريان الكاثوليك إلى الحفاظ على هويتهم وإيمانهم في وسط التحديات التي قد تواجه المجتمع المسيحي في المنطقة حالهم حال السريان الارثوذوكس والطوائف المسيحية الأخرى 

التراث السرياني والحفاظ على ما هو باقي:

يعتبر التراث السرياني هو أمر مهم للمجتمع السرياني في سورية وحول العالم كونه نقل صورة مسيرة الشعب السرياني على مرّ الأجيال فهناك عناصر ثقافية وتاريخية كاللغة والتراث الديني للسريان. هنا بعض الجوانب المهمة للحفاظ على التراث السرياني:

1. اللغة: الحفاظ على اللغة السريانية، سواء كانت السريانية الكلاسيكية أو السريانية الحديثة، هو جزء أساسي من الحفاظ على التراث السرياني. يمكن تعزيز استخدام اللغة في التعليم والإعلام والحياة اليومية، وتوفير دورات تعليمية ومواد تعليمية لتعلم اللغة للأجيال القادمة.

2. الثقافة والفنون: يجب المحافظة على التقاليد والعادات والممارسات الثقافية السريانية، بما في ذلك الموسيقى والرقص والملابس التقليدية والمأكولات السريانية. يمكن تنظيم المهرجانات والفعاليات الثقافية لتعزيز وتعريف العالم بالتراث السرياني.